الخوف والهرب كلها معان جسمانية يحتاج إلى ضرب من التجريد حتى تصير عقلية وهذا جواب غير نافع وكلام مجمل فان أصل الاشكال بان الخوف والهرب والشهوة والغضب والمحبة وما يجرى مجراها كلها من قبيل المعاني الغير القابلة للقسمة وليست من قبيل الأمور (1) ذوات الأوضاع والاشكال والمقادير والأطراف فكيف تحل في الجسم وهي لا تقبل الوضع والانقسام لا بالذات ولا بالعرض كالسواد والطعم والرائحة وحكمها قبل التجريد حكم كثير من الأشياء بعد التجريد فالحق في الجواب ان يقال مدرك هذه المعاني الوحدانية لا بد ان يكون قوه حيوانية غير حاله في الأجسام ولا يلزم ان يكون عقلية كما مر ومنها انه سئل ان ما قيل إن الصور الكلية إذا حصلت لشئ صار ذلك الشئ بها عقلا امر عجيب (2) فان الشئ انما يصير عقلا بان يتجرد غاية التجرد وكيف يدخل على شئ غير مجرد ما يجرده فان قوله يصير به الشئ عقلا معناه يصير به الشئ مجردا فأجاب بان معنى صار ليس انه صار حينئذ بل معناه انه دل على كونه كذلك وهذه كلمه يستعمل مجازا.
أقول انما ارتكب الشيخ هذا التجوز البعيد (3) لان النفس الانسانية عنده مجرد عقلي من أول الفطرة حين حدوثها في الشهر الرابع للجنين وليست كذلك كما سبق بل انها في أوائل الامر خيال بالفعل عقل بالقوة ثم يصير بتكرر الادراكات وانتزاع