ارتحلت تصير حواسها الباطنية لادراك أمور الآخرة أشد وأقوى فتشاهد الصور العينية الموجودة في تلك الدار ولا يختص ذلك بنفس دون نفس كما لا يختص قوه الاحساس بهذه الحواس في الدنيا بنفس دون نفس فإذا انقطع تعلقها عن هذا البدن اضطرارا أو اختيارا يجب لها انكشاف الأمور المناسبة لأعمالها وأفعالها ونياتها واعتقاداتها كما في قوله تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فان كانت أفعالها حسنه ونياتها صحيحه فروح وريحان وجنة نعيم وان كانت أفعالها قبيحة واعتقاداتها ردية فنزل من حميم وتصليه جحيم فصل (11) في التنبيه على شرف علم المعاد وعلو مكانه وسمو معرفه بعث الأرواح والأجساد وعظم شانها اعلم أن هذه المسألة بما فيها من أحوال القبر والبعث والحشر والنشر والحساب والكتاب والميزان ومواقف العرض والصراط والجنة وطبقاتها وأبوابها والنار وأبوابها ودركاتها هي ركن عظيم في الايمان واصل كبير في الحكمة والعرفان وهي من اغمض العلوم وألطفها وأشرفها مرتبه وارفعها منزله وأسناها قدرا وأعلاها شانا وأدقها سبيلا وأخفاها دليلا الا على ذي بصيرة ثاقبه وقلب منور بنور الله قل من اهتدى إليها من أكابر الحكماء السابقين واللاحقين ومشاهير الفضلاء المتقدمين والمتأخرين فأكثر الفلاسفة وان بلغوا جهدهم في أحوال المبدء من التوحيد والتنزيه في الذات والصفات وسلب النقائص والتغيرات في الافعال والآثار لكنهم قصرت أفكارهم عن درك منازل المعاد ومواقف الاشهاد لأنهم لم يقتبسوا أنوار الحكمة من مشكاة نبوة هذا النبي الخاتم عليه وعلى آله الصلاة الكبرى والتقديس الأشرف الأتم الأوفى حتى أن رئيسهم (1) اعترف بالعجز عن اثبات ضرب من المعاد بالدليل العقلي وهو
(١٧٩)