افاده العقل لغيره وذلك محال وإن كان عقلا فلا يخلو اما ان يكون عقلا في أصل الفطرة فهو المطلوب وان لم يكن كذلك فيحتاج لا محاله إلى امر يخرجه من القوة إلى الفعل ويجعله عقلا بالفعل فننقل الكلام إليه حتى يدور أو يتسلسل أو ينتهى إلى المطلوب فثبت وجود العقل المقدس عن شائبة القوة والنقص الاستعدادي.
ومن سبيل آخر ان النفس الانسانية قد لا يكون معلوماتها التي اكتسبتها حاضره لها مدركه ولها قوه الاسترجاع والاستذكار فهي مخزونة فلها قوه الادراك وقوه الحفظ وهما متغايرتان لان (1) الحافظ فاعل والمدرك قابل فيمتنع اتحادهما ولا شك ان المدرك القابل هي النفس فالحافظ الفاعل جوهر اجل منها وجودا وهذا النحو من الوجود عقل فعال وظاهر مكشوف انه ليس جسما من الأجسام ولا قوه في جسم لان شيئا منهما لا يكون معقولا بالفعل ولا عاقلا بالفعل فكيف يكون سببا لما ليس بجسم ولا في جسم والكلام في وجود سبب تصير به النفس عقلا بالفعل واما المعقول من الجسم فهو صوره عقلية لا يحمل عليه معنى الجسم بالحمل الشائع الصناعي فبالجسم لم يصر جسم معقولا فضلا عما ليس بجسم من الأمور التي ليست داخله في مكان ولا منطبعة في ذي وضع وحيز حتى يجاورها أو يحاذيها جسم أو صوره في جسم فيؤثر فيها لما تقدم ان تأثير الأجسام والجسمانيات في الأشياء بمشاركة الأوضاع المكانية فان القرب الوضعي والاتصال المقداري في الجسمانيات بإزاء القرب المعنوي والارتباط العقلي في الروحاني في قبول الأثر واستجلاب الفيض واما الأول تعالى فهو وإن كان هو الفياض المطلق والجواد الحق على كل قابل لفيض الوجود الا ان في كل نوع من أنواع الكائنات لا بد من واسطه تناسبه من الصور المجردة والجواهر العقلية وهم الملائكة المقربون المسمون عند الأوائل بأرباب الأنواع وعند الافلاطونيين بالمثل الإفلاطونية والصور الإلهية لأنها علومه التفصيلية التي بواسطتها يصدر الأشياء