الحواس الباطنة ويقال لها عالم الغيب والآخرة لمقايستها إلى الأولى لان الآخرة والأولى من باب المضاف ولهذا لا يعرف إحداهما الا مع الأخرى كالمتضائفين كما قال تعالى ولقد علمتم النشأة الأولى فلو لا تذكرون وهي تنقسم إلى الجنة وهي دار السعداء والجحيم وهي دار الأشقياء ومبادئ السعادات والشقاوات فيهما هي الملكات والأخلاق الفاضلة والرذيلة.
والنشأة الثالثة هي العقلية وهي دار المقربين ودار العقل والمعقول ومظهرها القوة العاقلة من الانسان إذا صارت عقلا بالفعل وهي لا تكون الا خيرا محضا ونورا صرفا فالنشأة الأولى دار القوة والاستعداد والمزرعة لبذور الأرواح ونبات النيات والاعتقادات والأخريتان كل منهما دار التمام والفعلية وحصول الثمرات وحصاد المزروعات فإذا تقرر هذا ولم تكن النفس ذات قوه استعدادية ساذجة من الصور والأوصاف والملكات النفسانية الا في أول كونها الدنياوي ومبدء فطرتها الأصلية قبل ان تخرج قوتها الهيولانية النفسانية إلى فعليه الآراء والملكات والأخلاق فلا يمكن لها بعد أن يخرج في شئ منها من القوة إلى الفعل ان يتكرر لها القوة الاستعدادية بحسب فطره ثانية هي أيضا في هذا العالم وتكون آخر لأجل تعلق بمادة أخرى حيوانية لان عروض الحالة الهيولانية لا يمكن الا بانخلاعها عن جمله الأوصاف والملكات الباطنة وهذا مع استحالتها ينافي مذهبهم من انتقال النفوس بواسطة هيئاتها الردية إلى أبدان حيوانات أخرى.
واما الحجة الخاصة بابطال النقل من جهة الصعود فهي ان الحيوان الصامت ان لم يكن له نفس مجرده بل كانت نفسه منطبعة فيستحيل عليه الانتقال من بدن إلى بدن لكونها جوهرا ناعتيا انطباعيا والبرهان قائم على استحالة الانتقال في المنطبعات اعراضا كانت أو صورا وان كانت نفسه مجرده فمن أين يحصل لها الكمال والترقي إلى