العلم قد لا ينكشف له حقيقة مطلوبه الذي قصده لكونه محجوبا عنه (1) باعتقاد مقبول للناس سبق إليه منذ الصبا على وجه التقليد وحسن الظن يحول بينه وبين حقيقة الحق ويمنع ان ينكشف في قلبه خلاف ما تلقفه بالتقليد وهذا أيضا حجاب عظيم حجب به أكثر المتكلمين والمتعصبين للمذاهب بل أكثر المنسوبين إلى العلم والصلاح فإنهم محجوبون باعتقادات تقليدية رسخت في نفوسهم وتأكدت في قلوبهم وصارت حجابا بينهم وبين درك الحقائق وهذا في مثالنا حجاب المرسل بين المرآة والصورة.
الخامس الجهل بالجهة التي منها يقع الشعور بالمطلوب والعثور على الحق المقصود فان طالب العلم ليس يمكنه تحصيل العلم بالمطلوب من أي طريق كان بل بالتذكر المعلوم والمقدمات التي تناسب مطلوبه حتى إذا تذكرها ورتبها في نفسه ترتيبا مخصوصا مقررا بين العلماء النظار ذوي الاعتبار فعند ذلك يكون قد عثر على جهة فيتجلى له حقيقة المطلوب فان العلوم المطلوبة التي بها تحصل السعادة الأخروية ليست فطرية فلا تقتنص الا بشبكة العلوم الحاصلة أولا بل كل علم غير أولى لا يحصل الا بعلمين سابقين يأتلفان ويزدوجان على وجه مخصوص فيحصل من ازدواجهما علم ثالث على مثال ما يحصل النتاج من ازدواج الفحل والأنثى فان لكل ممكن معلول علة مخصوصة لا يمكن حصول شئ من ذوات العلل والأسباب الا من طريق سببه وعلته فكذلك العلم بها لا يحصل الا من جهة العلم بأسبابها وعللها فالجهل (2) بأصول المعارف وبكيفية ترتيبها وازدواجها هو المانع من العلم بها ومثاله في المرآة هو عدم المحاذاة لها بالجهة التي فيها الصورة المرئية فرب صوره لم تكن محاذية للجهة التي فيها المرآة بل مثاله ان يريد الانسان مثلا ان يرى قفاه في المرآة فيحتاج إلى مرآتين ينصب