الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٥ - الصفحة ٣٢٢
على الصور العقلية والمثل النورية المطابقة لجميع الأنوار الخارجية وكذا علمت اثبات العالم الصوري الحسى المشتمل على الصور الحسية المجردة عن المادة الكائنة الفاسدة الموضوعة في الجهات فالجنة المحسوسة لأصحاب اليمين والمعقولة للمقربين وهم العليون وكذا النار ناران نار محسوسة ونار معنوية فالمحسوسة للكفار والمعنوية للمنافقين المتكبرين المحسوسة للأبدان والمعنوية للقلوب وكل من الجنة والنار المحسوستين عالم مقداري إحداهما صوره رحمه الله والأخرى صوره غضبه لقوله تعالى ومن يحلل عليه غضبي فقد هوى وكما أن الرحمة ذاتية والغضب عارض كما يعلم بالبرهان ويدل عليه قوله سبقت رحمتي غضبي وقوله ورحمتي وسعت كل شئ فكذلك خلق الجنة بالذات وخلق النار بالعرض وتحت هذا سر وقد علمت أن ليس للآخرة مكان في هذا العالم لا في علوه ولا في سفله لان جميع ما في أمكنه هذا العالم متجددة داثرة مستحيلة فانية وكل ما هو كذلك فهو من الدنيا والآخرة عقبى الدار ليست دار البوار وهي في داخل هذا العالم وفي باطن حجب السماوات والأرض ومنزلتها من الدنيا منزله الجنين من رحم الام كما مر ولكن لكل من الجنة والنار مظاهر ومرائي في هذا العالم بحسب رقائقها ونشئاتها الجزئية.
وعلى ذلك تحمل الأخبار الواردة في تعيين بعض الأمكنة لأحدهما كما وقع في قوله صلى الله عليه وآله وسلم ما بين قبري ومنبري روضه من رياض الجنة وقوله قبر المؤمن روضه من رياض الجنة وقبر المنافق حفره من حفر النيران وما روى أن في جبل أروند عينا من عيون الجنة.
وروى عن أبي جعفر ع ان لله جنه خلقها في المغرب وماء فراتكم هذه يخرج منها وإليها يخرج أرواح المؤمنين من حفرهم عند كل مساء (1) وصباح فتسقط على

(١) أي عند كل ليل فذكر طرفي الليل كأنه قال ع من المساء إلى الصباح فلا ينافيه قوله فإذا طلع الفجر هاجت من الجنة ثم تأويل الحديث الشريف ان المغرب إشارة إلى فناء الوجودات المجازية وأفول الأنوار في الأفق الاعلى والماء الفرات هو الوجود المنبسط والمراد من قوله ع وإليها تخرج الخ انها تتحرك وتتوجه إلى غاية الغايات من الأبدان أو من الهيئات المحيطة بالأرواح كما ذكر في بيان القبر وكونها في الليل في ذلك الأفق الاعلى باعتبار انطفاء الأنوار المتفرقة والوجودات المتشتتة هناك كما في الحديث ان الله خلق الخلق في ظلمه ثم رش عليهم من نوره وقالوا في الظلمات عين الحياة واكلها مشاهده الجمال والجلال وتلاقيها وتعارفها اتحادها (متحد جانهاى شيران خداست) وطلوع الفجر صحو وجودها الموهوم بعد المحو وإفاقتها عن سكر شراب الوصال وكونها بين السماء والأرض برزخيتها وحاله بين المحو والصحو مسماه بالغيبة وان لها المنزلة بين المنزلتين وطلوع الشمس بدو نوريتها المضافة إليها وظهور أنانيتها وخروجها عن تلك الحالة المتوسطة وأظن أن تعهد تحريف عن تعمد أي تقصد الصور نازلة عن عالم المعنى وان لله نارا هي نار الطبيعة السيالة ذات ثلاث شعب في مشرق السلسلة الصعودية يسكنها أرواح الكفار إذا خلدوا إلى عالم الطبيعة وليلهم ظلمات الطبيعة وطلوع الفجر لهم انجذابهم إلى النور المطلق في الجملة واختلاسهم إلى الرحمة قليلا كما ينجذبون في الدنيا فطره فيهيجون إلى واد أضعف حرا من نيران ليلهم وإن كان أشد حرا من نيران الدنيا وإذا كان المساء عادوا إلى النار أي عادوا إلى مقامهم الداني ومقتضيات ملكاتهم النارية س ره
(٣٢٢)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 317 318 319 320 321 322 323 324 325 326 327 ... » »»
الفهرست