بلا مادة وحركه وقوه استعدادية وإذا كان حال الموجودات الدنية الأرضية التي لذلك العالم هكذا فما ظنك بحال موجوداتها الشريفة السماوية وبالجملة كل ما في هذا العالم له صوره في الآخرة والتفاوت بين سمائها وأرضها وحيواناتها وأشجارها وأحجارها ومياهها وغيرها على نسبه هذا التفاوت لأنها بواطن هذه الأمور فيكون التفاوت فيها أشد وأكثر كما قال تعالى وللآخرة أكبر درجات وأكبر تفضيلا على أن الكل حيوان بحياة ذاتية فقد ظهر وانكشف ان لهذه الصور الهيولية من العناصر وغيرها صور أخروية محسوسة هناك مشهودة بحواس غير داثرة ولا فانية ولا متجزية لأنها كلها في موضوع النفس كأنها قوه واحده مع أنها متخالفة المدركات كثيره الصور وهذا من العجائب التي يختص بدركها أولوا البصائر وتلك بواطن هذه الدنيويات التي سترجع إليها بعد دثورها وانقطاع وجودها عن هذا العالم محشورة إليها باقية هناك حية بحياتها النفسانية لما مر من أنه لا صوره طبيعية الا وله نفس وعقل قال الفيلسوف المعلم للمشائيين في الميمر الثامن من كتابه وصفه النار هي مثل صفه الأرض أيضا وذلك أن النار انما هي كلمه ما في الهيولى وكذلك سائر الأشياء الشبيهة بها والنار لم تكن من تلقاء نفسها بلا فاعل ولا من احتكاك الأجسام كما ظن وليست الهيولى أيضا نارا بالقوة (1) ولا هي تحدث صوره النار لكن في الهيولى كلمه فعاله تفعل صوره النار وصوره سائر الأشياء والهيولي قابله لذلك الفعل والكلمة (2) التي فيها هي النفس تقوى ان تصور فيها صوره النار وسائر الصور وهذه النفس انما هي حياه النار وكلمه فيها وكلتاهما أعني الحياة والكلمة شئ (3) واحد ولذلك قال أفلاطون ان في كل جرم من الأجرام المبسوطة نفسا وهي الفاعلة لهذه النار الواقعة
(٢٦٨)