فان (1) قالوا إن المزاج الأشرف إذا استدعى النفس الأشرف الأتم وهي التي جاوزت الدرجات النباتية والحيوانية فيجب ان النفس المتعلقة هي التي انتقلت عنها قلنا هذا مجرد دعوى بلا بينه فان نفوس الأفلاك شريفة في الغاية ولم تنتقل (2) إليها من الحيوان والانسان نفس ولو سلم فالتجاوز والانتقال لا يلزم ان يكون من بدن إلى بدن آخر بل باستكمالات ذاتية متصلة فالنفس الانسانية الحادثة بحدوث مزاج الانسان من لدن كونه منيا وجنينا إلى أن تبلغ إلى مرتبه الانسانية قد صادفت الدرجات النباتية والحيوانية على سبيل استكمال طبيعي حاصل في كلا ظرفي المادة والصورة والبدن والنفس وقد سبق ان استكمالات النطفة الانسانية وتحولاتها في أطوار الخلقة حيث كانت جمادا ثم نباتا ثم حيوانا ثم انسانا يكون على هذا الوجه لا الذي زعمه الجمهور من أن هاهنا كونا بعد فساد وفسادا بعد كون من صوره إلى صوره أخرى متبائنة الوجود فان ذلك غير صحيح كما مر من بطلان تفويض فاعل طبيعي تدبيره في مادة إلى فاعل طبيعي آخر على قياس توارد الفواعل المختارين على موضع واحد في صنائعهم وكما استحال انتقال الفعل الطبيعي عن أحد فاعلين طبيعيين إلى الاخر كذلك يستحيل انتقال الفاعل الواحد من فعل طبيعي إلى فعل طبيعي مبائن للأول من غير جهة اتحاد بينهما وهو المعنى بالتناسخ فيكون محالا حجه أخرى عامه هي ان النفس إذا فارقت البدن كان آن مفارقتها عن البدن الأول غير آن اتصالها بالبدن الثاني وبين كل آنين زمان فيلزم كونها بين البدنين معطلة عن التدبير والتعطيل محال وهذا تمام على طريقتنا من أن نفسية النفس نحو وجودها الخاص ليست كإضافة عارضه لها.
(١٢)