الشقاوة التي تحصل من الجهة الأولى ان هذه الهيئات الانقيادية والانفعالات الانقهارية للنفس إذا تأكدت يمنعها عن الوصول إلى سعادتها الأخروية وتصدها عن (1) درك النعيم الأخروي وهي مع ذلك تحدث نوعا من الأذى عظيما لفقد المألوفات العادية ووجود الملكة الشوقية إليها وعدم ما يشغل النفس عن تذكرها فان هذه الهيئات وان كانت قبيحة في نفسها مؤلمة لجوهر النفس مضارة لحقيقتها لكن كان اقبال النفس على البدن يشغلها عن الاحساس بفضائحها وقبائحها ومضادتها لجوهر النفس ففي الآخرة إذا زال ذلك الاقبال والاشتغال فيجب ان تحس بايلامها وايذائها كما قال تعالى فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد فتأذى النفس عند رفع الحجاب والموت اذى عظيما وعذابا شديدا كمن به آفة مؤلمة ومرض اليم وله شغل شاغل كخدر أو اغماء أو غير ذلك فإذا فزع عن ذلك أحس به فتأذى منه غاية الأذى ولكن لما كانت هذه الهيئات الانقيادية غريبه عن جوهر النفس كما أشرنا إليه فكذا ما يلزمها ويتفرع عنها من الأشباح الجهنمية فلا يبعد ان يزول عنها في مده من الدهر متفاوتة على حسب كثره العوائق وقلتها إن شاء الله تعالى ويشبه أن تكون الشريعة الحقه قد أشارت إليه حيث ورد ان المؤمن الفاسق لا يخلد في النار واما القسم الثاني من الشقاوة العقلية فهو الداء العضال (2) والمرض المؤلم للشاعر بالعلوم والكمال العقلي في الدنيا والكاسب شوقا لنفسه إليها ثم تارك الجهد فيه لتكتسب العقل بالفعل اكتسابا ما ففقدت منه القوة الهيولانية وحصلت ملكه الاعوجاج والصور الباطلة المخالفة للواقع والقول على العصبية والجحد فهذه الداء العياء مما
(١٣٥)