تسمى في عرف الحكمة بالملكة وفي لسان الشريعة (1) بالملك والشيطان في جانبي الخير والشر والمسمى امر واحد في الحقيقة لان المحقق عندنا ان الملكات النفسانية تصير صورا جوهرية وذواتا قائمه فعاله في النفس تنعيما وتعذيبا ولو لم يكن لتلك الملكات من الثبات والتجوهر ما يبقى أبد الآباد لم يكن لخلود أهل الجنة في الثواب وأهل النار في العقاب ابدا وجه فان منشأ الثواب والعذاب لو كان نفس العمل أو القول وهما أمران زائلان يلزم بقاء المعلول مع زوال العلة المقتضية وذلك غير صحيح والفعل الجسماني الواقع في زمان متناه كيف يصير منشئا للجزاء الواقع في أزمنة غير متناهية ومثل هذه المجازاة غير لائق بالحكيم سيما في جانب العذاب كما قال وما انا بظلام للعبيد وقال وذلك بما كسبت قلوبكم ولكن انما يخلد أهل الجنة في الجنة وأهل النار في النار بالثبات في النيات والرسوخ في الملكات ومع ذلك فان من فعل مثقال ذره من الخير أو الشر في الدنيا يرى اثر ذلك مكتوبا في صحيفة نفسه أو صحيفة (2) ارفع من نفسه كما قال تعالى في صحف مكرمة مرفوعة مطهره بأيدي سفره كرام برره وإذا قامت القيامة وحان وقت ان يقع بصره إلى وجه ذاته لفراغه عن شواغل هذه الحياة الدنيا وما يورده الحواس ويلتفت إلى صفحه باطنه ولوح ضميره وهو المراد بقوله تعالى وإذا الصحف نشرت فمن كان في غفلة عن أحوال نفسه وحساب سيئاته وحسناته يقول عند كشف غطائه وحضور ذاته ومطالعة صفحه كتابه ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيره ولا كبيره الا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا (3) ولا يظلم ربك أحدا يوم تجد كل نفس ما عملت من خير محضرا وما عملت من سوء تود لو أن بينها وبينه أمدا بعيدا
(٢٩٣)