فصل في ابطال التناسخ باقسامه والإشارة إلى مذاهب أصحابه وهدم آرائهم اما ابطال ما قاله بعض التناسخية وهو انتقال النفوس الانسانية من أبدانهم إلى أبدان الحيوانات المناسبة لها في الأخلاق والأعمال من غير خلاف كما ذهب إليه شرذمة (1) قليله من الحكماء المعروفين بالتناسخية وهم أقل الحكماء تحصيلا وأسخفهم رأيا حيث ذهبوا إلى امتناع تجرد شئ من النفوس بعد المفارقة من البدن المخصوص لأنها جرمية دائمه التردد في أبدان الحيوانات وغيرها فهو أخف مؤنة وأسهل مأخذا وذلك لأنا نقول لا يخلو اما أن تكون منطبعة في الأبدان أو مجرده وكلاهما محال اما الأول فلما عرفت من استحالة انطباع النفوس الانسانية ومع استحالته مناف لمذهبهم أيضا لامتناع انتقال المنطبعات صورا كانت أو اعراضا من محل إلى محل آخر مبائن للأول وانما قيدنا المحل الاخر بالمبائن لان للصور الطبيعية استحالات وانتقالات ذاتية واستكمالات جوهرية من طور إلى طور والأبدان أيضا تتحول بحسب الكمية والكيفية بل النوعية أيضا على وجه الاتصال وذلك غير مستحيل كما مر في عده مواضع من هذا الكتاب واما الثاني فلان العناية الإلهية تأبى ذلك لأنها مقتضية لايصال كل موجود إلى غايته وكماله وكمال النفس المجردة اما العلمي فبصيرورتها عقلا مستفادا فيها صور جميع الموجودات واما العملي فبانقطاعها عن هذه التعلقات وتخليتها عن رذائل الأخلاق ومساوئ الأعمال وصفاء مرآتها عن الكدورات فلو كانت دائمه التردد في الأجساد من غير خلاص إلى النشأة الأخرى ولا اتصال إلى ملكوت ربنا الاعلى كانت ممنوعه عن كمالها اللائق بها أبد الدهر والعناية (2) تأبى ذلك.
(٧)