والجواب ان الذي ورد من الأقدمين في نقل النفوس الانسانية إلى الأبدان الحيوانية وجهناه إلى غير ما وجهوه إليه وحملناه على غير ما حملوه من اثبات التناسخ وكذا ما ورد في الرموز القرآنية والكلمات النبوية لها محامل صحيحه غير ما فهمه أصحاب هذا المذهب فان أكثر مواعيد النواميس الإلهية انما يتحقق في دار أخرى غير هذه الدار وليست الدار الآخرة منحصرة في عالم العقل المجرد عن المقادير والاشكال والصور بل عالم الآخرة عالمان عالم عقل نوري وعالم حسي منقسم إلى دار النعيم ودار الجحيم أحدهما نوراني والاخر ظلماني فالأول للمقربين والثاني للسعداء الصالحين وأصحاب اليمين والثالث للأشقياء المردودين إلى أسفل السافلين وأصحاب الشمال والمغالطة في حمل كلام الأنبياء والحكماء على التناسخ انما نشأت من الخلط بين معنى الحشر والنسخ ومن الغفلة والجهل بتحقق عالم آخر متوسط بين عالم الطبيعية وعالم العقل فيه يحشر الناس على هيئاتهم المناسبة لأخلاقهم على التفصيل المقرر بينهم المشهور منهم حيث قرروا ان لكل خلق من الأخلاق المذمومة والهيئات الردية المتمكنة في النفس أبدان نوع يختص بذلك الخلق كخلق التكبر والتهور المناسب لأبدان الأسود والخبث والروغان لأبدان الثعالب وأمثالها والمحاكاة والسخرية لأبدان القرود وأشباهها والعجب للطواويس والحرص للخنازير إلى غير ذلك وكما أن لكل خلق ردى أنواع مخصوصة من الحيوانات مناسبة لأنواع ذلك الخلق فكذلك بإزاء كل مرتبه قوية أو ضعيفه منه بدن نوع خاص من تلك الحيوانات التي اشتركت في ذلك الخلق كعظيم الجثة لشديد الشهوة وصغير الجثة لضعيفها وربما كان لشخص واحد من الانسان أنواع كثيره من الأخلاق الردية على مراتب متفاوتة فبحسب شده كل خلق مذموم في نفسه وضعف ذلك وما ينظم إليه من باقي الأخلاق المذمومة القوية والضعيفة واختلاف تراكيبها الكبيرة التي لا يقدر على حصرها أحد الا الله تعالى يختلف تعلق نفسه المذمومة القوية والضعيفة ببعض الأنواع من أشباح الحيوانات المذمومة دون غيرها وكذا يختلف تعلق بعضها ببعض افراد نوع واحد دون الباقي ثم إذا زال ذلك الخلق رأسا أو زالت مرتبه شديده منه انتقلت نفسه بحسب خلق آخر يليه
(٣٠)