الذي لمعظم الخلائق وجل النفوس والأرواح بل كلهم الا عددا قليلا في كل زمان من المقربين وعجزوا أيضا عن معاد النفوس المتوسطة حتى اضطر بعضهم إلى القول بتعلقها بعد الموت بأجرام فلكية وعن معاد النفوس الهيولانية فالتجأ الإسكندر الافروديسي إلى القول ببطلانها وانما ذهب أكثرهم إلى اثبات المعاد الروحاني فقط فالجنة ونعيمها وحورها وقصورها وأشجارها وأنهارها ليست الا ادراك المعقولات والابتهاج بها والنار وقيودها وسلاسلها وحميمها وزقومها كناية عن رذائل الأخلاق وذمائم الصفات خصوصا الجهل المركب والتعذب بها ثم إن أكثر الاسلاميين يرون ويعتقدون بان الانسان ليس شيئا سوى هذه البنية المحسوسة أعني الجسد المركب من اللحم والدم والعظم والعروق وما شاكلها من الأجسام وما يحلها من الاعراض والكيفيات الفعلية والانفعالية على هياه مخصوصة هي الصورة الانسانية عندهم تلك الأجسام مادتها أو مواد تلك الأجساد مادتها فهم في الحقيقة لا يعرفون امر البعث ولا يتصورون حقيقة القيامة ضميرا وقلبا وان أقروا بها لسانا وبذلك جرى عليهم حكم المسلمين فالقيامة ليست عندهم الا اعاده هذه الأجساد المعدومة برمتها والاعراض بعينها على هذه الحال التي هي عليها في الدنيا وأكثر أبناء زماننا وان قالوا بتجرد النفس لكنهم في غفلة عريضة عن إنيتها وكيفية درجاتها ودركاتها ومنازلها ومصاعدها وانها من الله مطلعها واليه مغيبها ومرجعها اما مشرقه زاهرة في عليين أو مظلمة ناكسة رأسها إلى أسفل سافلين فمن عرف حقيقة النفس وماهيتها وإنيتها وكيفية تعلقها بالبدن أولا ثم ارتفاعها واشتداد وجودها شيئا فشيئا ثم انبعاثها عنه ثانيا ثم رجوعها إلى العقل بالفعل ثالثا ثم مصيرها في الأخير إلى الله تعالى فكانت طبعا ثم نفسا ثم عقلا ثم مطموسا نورها في نور الأحدية فهو العارف الرباني ومن جهل نفسه ولم يعلم حقيقة ذاتها فهو جاهل بحقيقة المعادين جميعا وهو بمعرفة خالقه أجهل.
والعجب من أكثر المنتسبين إلى العلم كيف قنعوا بمرتبه العوام والناقصين كالنساء والصبيان حيث لم يشتغلوا تمام عمرهم بالبحث عن حقيقة النفوس وانها كيف مالها والى ما ذا يصير حالها مع اشتغالهم طول دهرهم بفروع خلافية نادرة الوقوع