يمرون عليها وهم عنها معرضون ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها واخلدوا إلى الأرض كما قال ولكنه اخلد إلى الأرض واتبع هواه ونحن رأينا كثيرا من المنتسبين إلى العلم والشريعة انقبضوا عن اثبات عالم التجرد واشمأزت قلوبهم عن ذكر العقل والنفس والروح ومدح ذلك العالم ومذمة الأجساد وشهواتها المحسوسة ودثورها وانقطاعها وأكثرهم توهموا الآخرة كالدنيا ونعيمها كنعيم الدنيا الا انها أوفر وأدوم وأبقى ولأجل ذلك رغبوا إليها وفعلوا الطاعات لأجلها طالبين قضاء لوطر شهوة البطن والفرج ولأجل ما ذكرناه تكرر في القرآن العظيم ذكر الآيات الدالة على النشأة الآخرة والبعث والقيام ليتنبه الانسان من نوم الجهالة ورقدة الغفلة فيتوجه نحو الآخرة ويتبرء من البدن وقيوده من الدنيا وتعلقاتها متطهرا عن الأدناس والأرجاس متشوقا إلى لقاء الله ومجاورة المقربين والاتصال بالقديسين.
واعلم أن المراد من الآيات المنقولة ليس ما فسره صاحب الكبير من اثبات القدرة الجزافية الأشعرية التي مبناها على ابطال الحكمة ونفى العلة والمعلول واعجب الأمور ان هؤلاء القوم متى حاولوا اثبات أصل من أصول الدين كاثبات قدره الصانع أو اثبات النبوة والمعاد اضطروا (1) إلى ابطال خاصية الطبائع التي أودعها الله فيها ونفى الرابطة العقلية بين الأشياء والترتيب الذاتي الوجودي والنظام اللائق الضروري بين الموجودات التي جرت سنه الله عليها ولا تبديل لها وهذه عادتهم في اثبات أكثر الأصول الاعتقادية كما فعله هذا الرجل الذي هو امام أهل البحث والكلام.
فان قلت فما معنى هذه الآيات سيما المشتملة على ذكر النطفة وابتداء الخلقة فهل المراد منها الا ان الله تعالى كما أنه قادر على الابتداء والانشاء قادر على الإعادة والتكوين مره أخرى.
قلت الغرض الأصلي من الآيات المعادية يحوم حوم بيان منهجين شريفين في بيان المعاد وحشر النفوس والأجساد.