المتخالفة للنفس مستنده إلى قوى متخالفة وان كل قوه من حيث هي هي لا يصدر عنه الا فعل مخصوص فالغضبية لا تنفعل عن اللذات والشهوية لا تتأثر عن المؤذيات ولا تكون القوة المدركة متأثرة مما تأثر عنه هاتان القوتان وإذا ثبت ذلك فنقول ان هذه القوى تارة تكون متعاونة على الفعل وتارة تكون متدافعة اما المتعاونة فلانا نقول متى أحسسنا الشئ الفلاني اشتهينا أو غضبنا واما المتدافعة فلانا إذا توجهنا إلى الفكر اختل الحس أو إلى الحس اختل الغضب أو الشهوة وإذا ثبت ذلك فنقول لولا وجود (1) شئ مشترك لهذه القوى يكون كالمدبر لها بأسرها والا لامتنع وجود المعاونة والمدافعة لان فعل كل قوه إذا لم يكن مرتبطا بالقوة الأخرى وليست الاله مشتركة بل لكل منها آله مخصوصة وجب ان لا تحصل بينها هذه المعاونة وإذا ثبت وجود شئ مشترك فذلك المشترك اما ان يكون جسما أو حالا في الجسم أو لا جسما ولا حالا فيه والقسمان الأولان باطلان بما سبق في الفصول الماضية فبقي القسم الثالث وهو ان يكون مجمع هذه القوى كلها شيئا واحدا لا يكون جسما ولا جسمانيا وهو النفس.
أقول هذا كلام غير مجد في هذا الباب ولا واف بحل الاشكال فان لاحد ان يقول ما دريتم بكون النفس رباطا لهذه القوى فان عنيتم به ان النفس علة لوجودها فهذا (2) القدر لا يكفي في كون النفس هي بعينها الحساس الغاذي الساكن الكاتب الضاحك بل كونها علة لوجود هذه القوى لا يكفي في كون البعض معاونا للاخر على فعله أو معاوقا له فان العلة إذا أوجدت قوى مخصوصة في محال متبائنة وأعطت لكل واحده منها آله مخصوصة كان كل واحده منها منفصله عن الأخرى غنية عنها متعلقه بها بوجه من الوجوه فشروع بعضها في فعله الخاص كيف يمنع الاخر عن فعله أليس ان العقل الفعال عندكم مبدء لوجود جميع القوى الموجودة في الأبدان فيلزم من كونها بأسرها معلوله لمبدء واحد وعلة واحده ان يعوق البعض عن البعض أو يعينه على ذلك.