في الدنيا هذه القدرة لتوزع قواها وعدم جمعية همتها لاشتغالها بالخارجيات وشواغل الحسيات فالانسان السعيد كلما يشتهيه في الآخرة حضر عنده دفعه ويكون شهوته سبب تخيله وتخيله سبب تمثل الصورة بين يديه وحضورها لديه كما قال تعالى فيها ما تشتهى الأنفس وتلذ الأعين وهم فيها خالدون وهذه القدرة أوسع وأكمل من القدرة على ايجاد الشئ في الدنيا أي في خارج الحس فان الموجود في الدنيا لا يوجد في مكانين ولا في مكان واحد يوجد اثنان للتزاحم والتضائق الواقعين في هذا العالم.
وأيضا النفس إذا اشتغلت بفعل الدنيا احتجبت وامتنعت عن فعل آخر فشغلها محسوس عن محسوس آخر وحجبتها لذه عن لذه أخرى والملذ أيضا لا يقوى في الذاذه هاهنا لانغماره في المادة وامتزاجه بغيره وكذا القياس في حال الألم والمؤلم في الدنيا بالنسبة إلى حالهما في الآخرة فاذن الصور المحسوسة تتضاعف عند الانسان بلا مزاحمه ولا تضايق ولا يستحيل هناك وجود صور غير متناهية دفعه إذ لا يجرى (1) فيه براهين امتناع الأمور الغير المتناهية مجتمعه.
وأيضا لا يشغل النفس بعض المحسوسات هناك عن بعض آخر لقوه النفس فتكون اللذة كثيره غير محصورة ولكون الصور الملذة بلا مادة تكون اللذة بها شديده مفرطة لخلوصها من الشوائب والمكدرات والأضداد فإذا تقرر هذا نقول إن شجره طوبى مثال للنفس السعيدة الكريمة وقد روى في طريق أهل البيت ع ان طوبى شجره أصلها في دار علي بن أبي طالب ع وليس مؤمن الا وفي داره غصن من أغصانها وذلك قول الله تعالى طوبى لهم وحسن مآب فتأويل ذلك من جهة العلم ان المعارف الإلهية سيما ما يتعلق بأحوال الآخرة وما يستقل بادراكه العقول على طريقه الفكر الجثى انما تقتبس من مشكاة نبوة خاتم الأنبياء صلى الله عليه وآله وسلم ونور ولايته المندمج في رسالته المنتشر أضواؤه من ولاية أفضل أوصيائه في نفوس القابلين للهدى والايمان المستعدين للعلم والعرفان فان أثمار العلوم الإلهية أنوار والمعارف الحقيقية انما نشأت وانتشرت في قلوب عرفاء هذه الأمة