قوه قابله محضه لا مقدار لها في نفسها ولا لها اختصاص بحد خاص وعدد معين بل يعرض لها المقادير والانقسامات من خارج وهي في نفسها قابله للانقسامات الغير المتناهية وليس أيضا من شرطها في أن يكون أبدانا أن تكون صوره الأرضية باقية بل يجوز انقلابها من الأرضية إلى أجسام حسب ما شاء الله وأيضا لا يلزم ان يكون كل نفس محشورة بالبدن فان من النفوس ما فارقت الأجسام صاعدة إلى عالم القدس منخرطة في سلك المقربين والجواب الأول (1) هو العمدة.
ومنها ان الجنة والنار إذا كانتا موجودتين جسمانيتين فأين مكانهما وفي أي جهة من جهات العالم حصولهما فإن كان حصولهما أو حصول إحداهما فوق محدد الجهات فيلزم ان يكون في اللا مكان مكان وفي اللا جهة جهة وإن كان في داخل طبقات السماوات والأرض أو فيما بين طبقه وطبقه فيلزم اما التداخل واما الانفصال بين سماء وسماء والكل مستحيل ومع هذا ينافي قوله تعالى وجنة عرضها السماوات والأرض.
هذا تقرير هذه الشبهة وطريق اندفاعها مكشوف لمن تدبر في الأصول التي بيناها.
اما المتكلمون فحيث لم يدخلوا البيوت من أبوابها ليس في وسعهم التفصي عن أمثال هذا الاشكال فأجابوا عنه تارة بتجويز الخلاء وتارة بعدم كون الجنة والنار مخلوقتين بعد وتارة بانفتاق السماوات على قدر يسع بينها الجنة وليتهم قنعوا بدين العجائز واكتفوا بالتقليد ولم يستنكفوا ان يقولوا لا ندري الله ورسوله اعلم.
ثم العجب ان أكثر ما رأينا منهم يخوضون في المعقولات وهم لا يعرفون المحسوسات ويتكلمون في الإلهيات وهم يجهلون الطبيعيات ويتعاطون الحجج والقياسات ولا يحسنون المنطق والرياضيات ولا يعرفون من العلوم الدينية الا مسائل خلافيات وليس غرضهم في العلم اصلاح النفس وتهذيب الباطن وتطهير القلب عن أدناس الصفات والملكات