واما بيانها على النهج التفصيلي البرهاني والمسلك التعليمي اللمي على النظم الميزاني بايراد ما يتوقف اثباتها عليه من المقدمات والأصول الضرورية والقواعد الكلية البرهانية بحيث لم يبق لاحد بعد الاستماع مجال للبحث والانكار ولا مساغ للمنع والاستنكار الا لقصور الطبع أو سوء الفهم والاعوجاج أو مرض العناد والاستنكار فقد قرب انجاز موعده وابراز سره ومقصده إن شاء الله تعالى.
واما اجماله فبان يعلم أن النفس الانسانية لكونها من سنخ الملكوت ونشأة القدرة والقوة على اختراع الصور من غير مادة لكن الصور التي يخترعها حين تعلقها بهذا البدن العنصري الكثيف المركب من الأضداد وما يحتاج إليه من جلب المنافع ودفع المضار وغير ذلك من التدابير والتصرفات الشاغلة لا تكون الا ضعيفه الوجود ناقصة الكون لا يترتب عليها الآثار المطلوبة منها ولا تكون أيضا ثابته مستقره بل زائلة متغيرة لان مظهرها الان جرم بخارى في الدماغ وهو دائم التحلل والتجدد والزوال والانتقال حسب اختلاف أمزجة العضو الدماغي من جهة ما يرد عليه من المغيرات الداخلية والخارجية حتى لو فرض وجود تلك الصور أقوى وأدوم مما كانت من جهة عدم الشواغل وجمع الهمة وعزل سائر القوى البدنية عن فعلها لكانت الآثار المطلوبة مترتبة عليها ولم يبق فرق حينئذ بين الصور المتخيلة والموجودة في العين ولكان الخيال حسا والمتخيل محسوسا ألا ترى انه كلما استراحت النفس من الاشتغال والحركات الضرورية في حفظ هذا البدن المجتمع من الأمور المتنافرة المتداعية إلى الانفكاك وتعطلت الحواس الظاهرة عن فعلها اما بالنوم أو الاغماء أو بانصراف توجه النفس عن استعمالها إلى الجنبة العالية بقوة فطرية أو مكتسبه اغتنمت الفرصة ورجعت إلى ذاتها بعض الرجوع لا كله لان القوى الطبيعية والنباتية وغيرها مستعمله والا لحدث الموت وتعفن البدن برطوباته فبهذا الرجوع أصبحت النفس مخترعة للصور مشاهده إياها بحواسها التي في ذاتها بلا مشاركه البدن فان لها في ذاتها سمعا وبصرا وشما وذوقا ولمسا إذ لو لم تكن لها في ذاتها هذه الخمسة فكيف يكون الانسان حاله النوم أو الاغماء يبصر ويسمع ويشم ويذوق ويلمس مع أن حواسه الظاهرة معطلة عن ادراكاتها بل هي أتم وأصفى لأن هذه كالقشور لها وكما