ظنه الجمهور ان النفس عند تبدل وجودها الدنيوي إلى وجودها الأخروي تنسلخ عن بدنها وتصير كعريان يطرح ثوبه وذلك لظنهم ان البدن الطبيعي الذي تدبره وتتصرف فيه تدبيرا ذاتيا وتصرفا أوليا هذه الجثة الجمادية التي يطرح بعد الموت وليس (1) كذلك بل هذه الجثة الميتة خارجه عن موضوع التصرف والتدبير وانما هو كثفل ودردي يقع مدفوعا عن فعل الطبيعة كالأوساخ وما يجرى مجراها أو كالأشعار والأوبار والقرون والأظلاف مما تحصله الطبيعة خارجا عن ذاتها لأغراض خارجية كالدار يبنيها الانسان لا لأجل الوجود بل لدفع الحر والبرد وسائر ما لا يمكن التعيش بدونها في هذا العالم مع أنها لا تسرى فيها الحياة الانسانية فالبدن الحقيقي هو الذي يكون سريان نور الحس والحياة فيه بالذات لا بالعرض ونسبته (2) إلى النفس نسبه الضوء إلى الشمس ولو كانت هذه الجثة الساقطة مما سرت فيه قوه الحياة بالذات لا كالظرف والوعاء لما بقيت مطروحة منهدمة كالدار التي خربت لارتحال صاحبها منها وبالجملة حال النفس في مراتب تجردها كحال المدرك الخارجي إذا صارت محسوسا ثم متخيلا ثم معقولا فكما ان قولهم لكل ادراك ضرب من التجريد وان تفاوت مراتب الادراكات بحسب مراتب التجريدات معناه هو الذي ذكرناه من أن التجريد للمدرك ليس عبارة عن اسقاط بعض صفاته وابقاء البعض بل عبارة عن تبديل الوجود الأدنى الأنقص إلى الوجود الاعلى الأشرف فكذلك تجرد (3) الانسان وانتقاله من الدنيا إلى الأخرى ليس الا تبديل نشأته الأولى إلى
(٩٩)