فتركوا الواجب العيني واشتغلوا بفروض الكفايات.
واعلم أن الاعتقاد بالمعاد على هذا الوجه العامي جيد للجهال والعوام وأرباب الحرف والصنائع وأهل المعاملات والتجارات الذين لا يمكنهم النظر في حقائق الأمور ولا التأمل في المبادئ الذاتية والغايات الطبيعية فهم مكلفون باعتقادات رسمية في باب الآخرة وذلك لأنهم متى اعتقدوا هذا الرأي في المعاد وتحققوا هذا الاعتقاد يكون ذلك حثا لهم على عمل الخير وترك الشرور واجتناب المعاصي وفعل الطاعات وأداء الأمانات وترك الخيانات والوفاء بالعهود وصحة المعاملة والنصيحة فيها وحسن العشيرة وخصال كثيره محمودة في هذا الباب.
واما ما تزين به محققوا المليين وأفاضل المسلمين فهو ان مع هذه الأجساد جواهر أخرى هي أشرف وأنور وليست هي بأجسام كثيفة بل هي أرواح لطيفه تخرج عن هذه الأبدان عند الموت فلا يتصور عندهم امر البعث والقيامة الا برد تلك الأرواح إلى تلك الأجساد أو أجساد اخر مثلها يقوم مقامها يحشرون ويثابون أو يعاقبون بما عملوا من خير أو شر فهذا الرأي أجود (1) وأقرب إلى الحق.
واما من كان فوق هذه الطوائف في المعرفة واليقين لرسوخه في العلم وشده ارتياضه بالحكمة فهو يرى ويعتقد في امر المعاد شيئا لا يعرف كنهه الا الله والراسخون في العلم.
واعلم أن الكتب الإلهية المنزلة على الأنبياء ع مختلفه الظواهر في باب البعث والقيامة وان كانت بواطنها متفقه الأصل وذلك لدقة المطلب وغموضه كما مر ذكره ففي (2) التوراة ان أهل الجنة يمكثون في الجنة خمسه عشر الف سنه ثم