العقلية إذا عقلها العقل يستكمل بها ويصير ذاته ذاتها كما علمت بل كان بعضها قبل ان يقع الشعور به مقوما (1) لذات العقل وكان غافلا عنه لاشتغاله بغيره فإذا استشعر وتنبه يرى ذلك البهاء والجمال في ذاته فصار مبتهجا بذاته غاية البهجة كما قال معلم الأول فصرت داخلا في ذاتي خارجا عن سائر الأشياء فادى في ذاتي من الحسن والبهاء والسناء ما تكل الألسن عن وصفه فوصول سبب الالتذاذ إلى هذا المستلذ العقلي أشد وأوغل إذ لا أوصل إلى الشئ من ذاته إلى ذاته وهذه اللذة شبيهه بالبهجة التي للمبدء الأول بذاته وبلذات المقربين بذواتهم وذات مبدئهم ومعلوم ان لذه الملائكة الروحانيين بادراكاتهم النورية فوق لذه الحمار بادراك صوره الجماع والقضيم ونحن لا نشتهي تلك اللذات ما دمنا متعلقين بهذه الأبدان بالوجدان بل نعلمها من جهة الاستدلال والبرهان إذ لا نتصور من ذوات المعشوقات العقلية الا بحسب مفهومات كلية ذهنية صادقه عليها ومفهوم الشئ وماهيته ومعناه غير حقيقة وجوده وهويته العينية فان مفهوم الحلاوة ليس حلوا وماهية السلطنة ليست سلطانا الا ان البرهان والعقل يدعوان إلى وجود المستلذات العقلية ومعرفة العقليات في النشأة الأولى منشأ الحضور في العقبى لما مر ان المعرفة بذر المشاهدة وذلك لان الحجاب بيننا وبين العقليات اما عدم التفطن لها وهو الجهل (2) واما الاشتغال بغيرها كالبدن والمواد الحسية وقواها المنطبعة فالنفس انما تتوصل إليها باكتساب (3) العلم بحقائقها حتى تصير قوتها العقلية مستعدة بالطبع تهيؤا قريبا لقبول صورها العقلية من المبدء المفارق فإذا زال المانع الخارجي بالموت إذ ليس بعد المفارقة عن البدن لصاحب المعرفة اعراض عن تلك الجهة إلى جانب البدن وشواغله
(١٢٣)