والكمال الأرفع مما هي سارية فيها لكن المانع لبعضها عن القبول هو التسفل والتنزل في منزله التفرقة والتضاد والتقيد بهوية جزئيه مضاده لما يقابلها فيفسدها وتفسده بالتضاد الواقع بينهما فكلما ضعفت فيها قوه هذا الوجود المتأكد في النزول إلى منزل التفاسد والتعاند استعدت المادة لصورة ارفع منزله وأقل تفرقه وانقساما وأكثر جمعية واتحادا فهذه العناصر لغاية تسفلها وتفرقها وبعدها عن عالم الوحدة من جهة التضاد وشده كيفياتها المتضادة وصورها المتفاسدة متعصية عن قبول الحياة النفسانية والعقلية فكلما انكسرت سوره كيفياتها وتأكدت وجوداتها الخاصة وانهدمت قوه تضادها بالضعف والفتور قبلت ضربا آخر من الوجود ونمطا آخر من الصورة الكمالية ارفع وابسط كأنها لاعتدالها واستوائها متوسطة بين الكل خاليه عنها بوجه جامعه لها بوجه الطف من غير تفاسد وتضاد ثم كلما أمعنت في الخروج عن هويات الأطراف المتضادة بالانكسار والانتقاص فيها استحقت حياه أشرف ونالت صوره أبسط واجمع وهكذا متدرجة في الاستكمال متعالية عن مهوى النزال حتى تبدلت صورتها بصوره النفس المتحدة بالعقل الفعال الذي هو نور من الله ومثال منه أكرم وكلمه أتم واسم أعظم فهذا أيضا أصل (1) ثم استحضر في ذهنك وتأمل ان كل صوره كمالية فهي مما يوجد فيها جميع الصور التي دونها على وجه الطف وأشرف وابسط وان كل صوره ناقصة لا يمكن وجودها الا بصوره أخرى متممة لها محيطه بها حافظه إياها مخرجه لها من القوة إلى الفعل ومن النقص إلى الكمال ولولاها لم يكن لهذه الناقصة وجود إذ الناقص لا يقوم بذاته الا بكامل والقوة والامكان لا يتحققان الا بفعل ووجوب فالكمال ابدا قبل النقص والوجوب قبل الامكان والوجود قبل العدم وما بالفعل قبل ما بالقوة والتعين قبل الابهام والذي يوقع الناس في الغلط والاشتباه ما يرون في هذا العالم من تقدم الاعدام والامكانات والاستعدادات
(٢٥٩)