قلنا ألم تسمع قوله تعالى في سوره الرحمان والسماء رفعها ووضع الميزان أقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان ألم تسمع قوله تعالى في سوره الحديد لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط أزعمت أيها العاقل المتأمل ان الميزان المنزل من عند الله مع انزال الكتب وارسال الرسل هو ميزان البر والشعير والأرز والتمر وغيرها أتوهمت ان الميزان المقارن وضعه لرفع السماء هو القبان والطيار وأمثالهما ما أبعد هذا التوهم والحسبان وما أقبح هذا الافتراء والبهتان واتق أيها الناظر في معاني الكتاب ولا تتعسف في باب التأويل ولا تركب متن الجهالة واللجاج انى أعظك أن تكون من الجاهلين واعلم أن الذي يدعو أمثالك وأصحابك من الظاهريين والحنابلة وغيرهم على حمل ألفاظ الكتاب والسنة على المعاني العامية جمود قرائحهم على التجسم وعدم تجاوز أذهانهم عن حدود الأجسام والجسمانيات ولو تأملوا قليلا في نفس معنى الميزان وجردوا حقيقة معناه عن الزوائد والخصوصيات لعلموا ان حقيقة الميزان ليس يجب ان يكون البتة مما له شكل مخصوص أو صوره جسمانية فان حقيقة معنى الميزان وروحه وسره هو ما يقاس ويوزن به الشئ والشئ أعم من أن يكون جسمانيا أو غير جسماني فكما ان القبان وذا الكفتين وغيرهما ميزان للأثقال والأصطرلاب ميزان للارتفاعات والمواقيت والشاقول ميزان لمعرفة الأعمدة والمسطر ميزان لاستقامة الخطوط فكذلك علم المنطق ميزان للفكر في العلوم النظرية يعرف به صحيح الفكر من فاسده وعلم النحو ميزان للأعراب والبناء والعروض ميزان للشعر والحس ميزان لبعض المدركات والعقل الكامل ميزان لجميع الأشياء وبالجملة ميزان كل شئ يكون من جنسه فالموازين مختلفه والميزان المذكور في القرآن ينبغي ان يحمل على أشرف الموازين وهو ميزان يوم الحساب كما دل عليه قوله تعالى ونضع الموازين القسط ليوم القيامة وهو ميزان العلوم وميزان الأعمال القلبية الناشئة من الأعمال البدنية وسئل جعفر الصادق ع عن قوله تعالى ونضع الموازين القسط فقال الموازين هم الأنبياء والأولياء واعلم أن ميزان الآخرة ما يعرف به حقائق الأشياء كما هي من العلم بالله
(٢٩٩)