الحيوان وهلم إلى درجه العقل المستفاد فانتهى إلى ما ابتدأ منه وعاد فمن فاز بهذه المعارف فقد فاز فوزا عظيما وينال من السعادة قدرا جسيما وخلص من الشقاوة التي منشاها اما الاعراض عن تحصيلها مع المكنة والاستعداد والانحراف عن طريق الحكمة مع ملكه الشوق إلى كسب العلوم أو انكار هذه المعلومات بالجحود والاستكبار والعناد.
ولكن كلما يزيد على هذا المبلغ كما أو يشتد كيفا كانت سعادته أكمل وأتم فانى (1) اعلم من المشتغلين بهذه الصناعة من كان رسوخه بحيث يعلم من أحوال الوجود أمورا يقصر الافهام الذكية عن دركها ولم يوجد مثلها في زبر المتقدمين والمتأخرين من الحكماء والعلماء لله الحمد وله الشكر.
ثم انك قد علمت أن الشرف والسعادة بالحقيقة انما يحصل للنفس من جهة جزئها النظري الذي هو أصل ذاتها واما ما يحصل لها بحسب جزئها العملي الذي هو من جهة تعلقها بالبدن واضافتها ونفسيتها فليس لها بحسبه من الاغتباط الا السلامة عن المحنة والبلاء والطهارة عن الشين والرجس والصفا عن الكدورة والرذيلة والخلاص عن العقوبة والجحيم والعذاب الأليم وذلك بمجرده لا يوجب الشرف الحقيقي والابتهاج العقلي الا ان لأهل السلامة كالزهاد والصلحاء ضربا آخر من السعادة التي تناسبها كما سنعود إلى شرحه فصل (3) في الشقاوة التي بإزاء السعادة الحقيقية اعلم أن هذه الشقاوة لا تكون للنفوس الحيوانية ولا للنفوس الساذجة ولا للنفوس العامية التي لم تحصل فيها بعد ملكه التشوق إلى كسب العلوم العقلية والكلامية ولا محبه الترفع والرئاسة كأكثر أرباب الحرف الدنيوية والعوام والنساء والصبيان فان لهم إذا شقوا نوع آخر من الشقاوة كما أن لهم إذا سعدوا نوع آخر من السعادة إذ الأشقياء فريقان.