أعيت أطباء الأرواح عن علاجها إذ المحال غير مقدور عليه وهذا الألم الكائن عنها بإزاء اللذة الكائنة عن مقابلها وكما أن تلك اجل من كل احساس بملائم كذلك هذه أشد من كل احساس بمناف من تفريق اتصال بالنار أو تجميد بدن بالزمهرير أو ضرب عنق وقطع عضو وعدم تصور ذلك لأهله في الدنيا سببه ما ذكرناه من المعنى الذي قررناه في عدم وجدان اللذة المقابلة له وكما أن الصبيان لا يحسون باللذات والآلام التي يخص المدركين ويستهزؤن بهم وانما يستلذون ما هو غير لذيذ ويكرهه المدركون كذلك صبيان العقول وهم أهل الدنيا لا يشعرون بما أدركه ذو العقول البالغة الذين يخلصون عن المادة وعلائقها فصل (4) في سبب خلو بعض النفوس عن المعقولات وحرمانهم عن السعادة الأخروية اعلم أن القوة التي هي محل العلوم والمعارف في الانسان هي اللطيفة المدبرة لجميع الجوارح والأعضاء المستخدمة لجميع المشاعر والقوى وهي بحسب ذاتها قابله للمعارف والعلوم كلها إذ نسبتها إلى الصور العلمية نسبه المرآة إلى صور الملونات والمبصرات وانما المانع من انكشاف الصور العلمية لها أحد أمور خمسه كما ذكره بعض أفاضل العلماء في مثال المرآة.
أولها نقصان جوهرها وذاتها قبل ان يتقوى كنفس الصبي فإنها لا يتجلى لها المعلومات لنقصانها وكونها بالقوة وهذا بإزاء نقصان جوهر المرآة وذاتها كجوهر الحديد قبل ان يذوب ويشكل ويصيقل.
والثاني خبث جوهرها وظلمه ذاتها ككدورة الشهوات والتراكم الذي حصل على وجه النفس من كثره المعاصي فإنه يمنع صفاء القلب وطهارة النفس وجلائها فمنع ظهور الحق فيها بقدر ظلمتها وتراكمها كصداء المرآة وخبثها وكدورتها المانعة من ظهور الصورة فيها وان كانت قوية الجوهر تامه الشكل واعلم أن كل حركه أو فعل وقعت من النفس حدث في ذاتها اثر منها فان كانت شهوية أو غضبية صارت بحسبها عائقة من