وتفرق همتها وتوزع خاطرها بما تنفعل من المؤثرات الخارجية وتشتغل بها حتى لو فرض ان يرتفع عنها الاشتغال بأفاعيل سائر القوى الحيوانية والطبيعية وتكون مصروفة الهمة إلى فعل التخيل والتصور تكون الصور والأجسام التي تتصورها وتفعلها بقوة الخيال في غاية ما لها من القوام وتأكد الوجود ويكون تأثيرها أقوى من تأثير المحسوسات المادية كما يحكى عن أهل الكرامات وخوارق العادات وإذا كان حال النفس في تصوير الأشياء على هذا الوجه وهي بعد في الدنيا ذات تعلق ببدنها فما ظنك إذا انقطعت علائقها عن الدنيا بالكلية وقويت قوتها وتأكدت فعليتها فكل نفس انسانية فارقت الدنيا وكانت من أهل السلامة عن الأمراض النفسانية وذمائم الأخلاق والملكات غير مرتهن بما يزعجها ويؤذيها ويمنعها عن الرجوع إلى ذاتها تكون لها عالم خاص بها فيه من كل ما تريده وتشتهيه وهذا أدنى مرتبه من مراتب السعداء فان كل أحد منهم له جنه عرضها كعرض السماوات ومنازل الأبرار والمقربين فوق هذا إلى ما لا يحصى الأصل الحادي عشر انك قد علمت أن أجناس العوالم والنشئات مع كثرتها التي لا تحصى منحصرة في ثلاثة وان كانت دار الوجود واحده لارتباط بعضها ببعض أدناها عالم الصور الطبيعية الكائنة الفاسدة وأوسطها عالم الصور الادراكية الحسية المجردة عن المادة الحاملة للامكانات والاستعدادات القابلة للمتضادات وأعلاها عالم الصور العقلية والمثل الإلهية فاعلم أن النفس الانسانية مختصه من بين الموجودات بان لها هذه الأكوان الثلاثة مع بقائها بشخصها فلانسان الواحد من مبدء طفوليته كون طبيعي وهو بحسبه انسان بشرى ثم يتدرج في هذا الوجود ويتصفى ويتلطف شيئا فشيئا في تجوهره إلى أن يحصل له كون آخر نفساني وهو بحسبه انساني نفساني أخروي يصلح للبعث والقيام وله أعضاء نفسانية وهو الانسان الثاني ثم قد ينتقل من هذا الكون أيضا على التدريج فيحصل له كون عقلي وهو بحسبه انسان عقلي وله أعضاء عقلية وهو الانسان الثالث كما ذكره معلم الفلاسفة في كتاب اثولوجيا وهذه الانتقالات والتحولات التي يقطع بها الشخص الواحد سبيل الحق إلى الغاية القصوى مختصه بنوع الانسان فان الأشياء وان كانت كلها متوجهه إلى الحضرة الإلهية لكن الذي يمر على الصراط المستقيم منتهيا إلى
(١٩٤)