الحكمة المتعالية في الأسفار العقلية الأربعة - صدر الدين محمد الشيرازي - ج ٥ - الصفحة ٢١٣
انها أفعالها ولما كان الفعل والانفعال مقولتان مختلفتان لا اشتراك لهما في امر ذاتي فكذا اللذة الفعلية غير اللذة الانفعالية في الجنس والحد فلا مجانسه بينهما فلا يقاس إحداهما بالأخرى ففي الجنة جميع الملاذ النفسانية على وجه الكمال فللمشاعر الحسية كلها لذات على وجه أعلى وأتم وأشرف مبناها على ترك هذه اللذات الفانية التي إذا أمعن فيها ينقلب هناك بعينها آلام ومؤذيات فينبغي للانسان ان يلطف نفسه ويصفى جوهره ويزهد في الدنيا ويحصل هاهنا قوه ادراك الخيرات والشوق إلى نيل السعادات الباقيات حتى إذا خرج من القوة إلى الفعل وانتقل من النقص إلى الكمال وبرز من الأغشية والقشور والأجداث والقبور ويحصل له ما في الصدور وكان جميع ما يتمناه ويهواه حاضرا لديه ومتمثلا بين يديه بل ليس في القيامة للنفوس الا ما قصدته ونوته فإن كان مقصودها ومناها أمورا صحيحه حقه فازت بها فوزا عظيما وان كانت أمورا زائلة مستحيلة من باب المقاصد الدنيوية والمطالب الشهوية والغضبية والعقائد الوهمية الشيطانية فاتتها فانفسخت صورتها واضمحلت مادتها وبقيت الحسرة والندامة والغصة والعذاب الأليم لأجل الركون إليها والاعتياد بها وأنت تعلم أن الدنيا (1) وما فيها مضمحلة في جنبه الآخرة اضمحلال الجمد وذوبان الثلج عند طلوع

(1) فما استأنس أهل الدنيا من الجزئيات الداثرة لم يبق وما هو باق من عالم الامر ومن له الامر والخلق لم يستأنسوا به.
ان قلت مألوفاتهم وان لم تبق لكن صورها باقية في خيالهم فلهم التسلية بها والالتذاذ بسببها.
قلت لا يتمكنون من تخيلها لوجهين أحدهما شده الأهوال وفضاعة الأحوال وثانيهما ان لذائذ الدنيا تنقلب مؤذيات هناك فان اكل مال اليتيم ظلما ينقلب هناك إلى اكل النار واكل الموائد حراما في الباطن اكل الزقوم والضريع وهذا كانقلاب سنى المجاعة وسني الرخاء إلى بقرات عجاف وبقرات سمان في الرؤيا كما في الكتاب الإلهي وقد مر فهناك في حس من اكل في الدنيا أموال اليتامى ظلما وفي خياله ليس الا اكل النار س ره
(٢١٣)
الذهاب إلى صفحة: «« « ... 208 209 210 211 212 213 214 215 216 217 218 ... » »»
الفهرست