من الدنيا لم يستحكم في نفسه قوه انكشاف الآخرة على وجه الكمال كما لم يستحكم في الجنين قوه الاحساس بالمحسوسات فما دامت النفس حالها على هذا المنوال من الضعف وادراكه كادراك النائم يقال إنها في عالم القبر والبرزخ وإذا اشتدت قوتها قامت قيامتها والذي يوضح لك كيفية ضغطه القبر وإن كان جسد الميت ساكنا أو كان في الهواء أو الماء ان من كان في ضيق شديد أو تفرق اتصال بالنار وغيرها أو وقع بين حجرين عظيمين فان الذي يؤلمه ويؤثر في نفسه بالذات ليس هذه الأمور الواقعة على بدنه بل صورتها الواصلة إلى نفسه لعلاقة لها مع البدن حتى أنه لو فرض حصول تلك الصور إلى النفس من سبيل آخر لا من جهة هذه الأسباب المادية لكان التأثير بحالها ما دامت النفس ذات علاقة بهذا البدن سواء كان البدن بعينه باقيا أم لا فضغطة القبر وعذابه من هذا القبيل الذي ذكرناه وكذلك ثوابه وراحته فسعة القبر وضيقه تابعان لانشراح الصدر وضيقه فصل (5) في الإشارة إلى عذاب القبر قال بعض العلماء كل من شاهد بنور البصيرة باطنه في الدنيا لرآه مشحونا بأنواع المؤذيات والسباع كالشهوة (1) والغضب والمكر والحسد والحقد والعجب والرياء وهي التي لا تزال تفترسه وتنهشه ان سهى عنها بلحظه الا ان أكثر الناس محجوب العين عن مشاهدتها فإذا انكشف عنه الغطاء ووضع في قبره عاينها وقد تمثلت بصورها وأشكالها الموافقة لمعانيها فيرى بعينه العقارب والحيات قد أحدقت به وانما هي ملكاته وصفاته الحاضرة الان في نفسه وقد انكشف له صورها الباطنية الحقيقية فان لكل معنى صوره يناسبها فهذا عذاب القبر إن كان شقيا وإن كان سعيدا كان بخلافه
(٢٢٠)