الآخرة ولصورته النفسانية صوره عقلية في عالم آخر فوقها هي دار المقربين ومقعد العليين وكل من العالمين الآخرين مشتمل على تفاوت كثيره بين الموجودات التي فيه لأنه كما أشرنا إليه ذو طبقات متفاوتة كهذا العالم وأعلى طبقه كل عالم متصل بأدنى طبقه العالم الذي هو فوقه وبالعكس وكل صوره في العالم الأدنى يكون هيولي في العالم الاعلى وبالعكس وقد علمت أن كل هيولي متحدة بصورتها وهي تمامها وكمالها ومرجعها ومعادها فالصور الحسية إذا لطفت صارت هيولي للصور النفسانية وهي للصور العقلية فبقاء الحس بالنفس وبقاء النفس بالعقل وبقاء العقل بالمبدع الحق.
قال الفيلسوف الأعظم ان هيولي العقل (1) شريفة جدا لأنها بسيطه عقلية غير أن العقل أشد منها انبساطا وهو محيط بها وإن كان هيولي النفس شريفة لأنها بسيطه نفسانية غير أن النفس أشد انبساطا منها وهي محيطه بها ومؤثرة فيها الآثار العجيبة بمعونة العقل فلذلك صارت أشرف وأكرم من الهيولى لأنها تحيط بها وتصور فيها الصور العجيبة والدليل على ذلك (2) العالم الحسى فان من رآه يكثر منه عجبه ولا سيما إذا رأى عظمه وحسنه وشرفه وحركته المتصلة الدائمة الظاهرة منها والخفية والأرواح الساكنة في هذا العالم من الحيوان والهواء والنبات وسائر الأشياء كلها فإذا رأى هذه الأشياء الحسية في هذا العالم السفلى الحسى فليرتق بعقله إلى العالم الاعلى الحق الذي انما هذا العالم مثاله ويلقى بصره عليه فإنه سيرى الأشياء كلها التي رآها في هذا العالم هناك غير أنها يراها هناك عقلية دائمه متصلة ذات فضائل وحياه نقية ليس يشوبها شئ من الأدناس ويرى هناك الأشياء ممتلئة عقلا وحكمه من اجل النور الفائض عليها وكل واحد منهم يحرص (3) على الترقي إلى درجه صاحبه وان يدنو من النور