فقد جعل الله النار وقاية في هذا الموطن من داء هو أشد من النار في حق المبتلى به وأي داء أكبر من الكبائر فقل جعل الله لهم النار يوم القيامة دواء كالكي بالنار فدفع بدخولهم النار يوم القيامة داء عظيما أعظم من النار وهو غضب الله ولهذا يخرجون بعد ذلك من النار إلى الجنة كما جعل الله في الحدود الدنياوية وقاية من عذاب الآخرة انتهى كلامه وفيه تأييد لما قلناه من أن جهنم ليست من حيث كونها دار العذاب مما له وجود حقيقي بل منشاؤها وجود الضلال والعصيان في النفوس حتى أنه لو لم يكن معصية بني آدم لما خلق الله النار.
واعلم أن أهل العذاب هم الذين نفوسهم كانت مستعدة لدرجة من درجات الجنان ثم بطل استعدادهم بارتكاب المعاصي فحالهم كحال من انحرف مزاجه عن الاعتدال اللائق به وعن الصحة التي له بحسبه فيكون في ألم شديد حتى يرجع إلى الاعتدال الذي كان له أو بطل استعداده بالكلية وانتقل مزاجه إلى مزاج وافقه تلك الحالة التي كانت مخالفه لمزاجه الأول وكان مرضا في حقه فصار المرض صحه له والألم راحه له وانقلب العذاب عذوبة في حقه لانقلاب جوهره إلى جوهر أدنى فكذلك حال من يدخل في النار ويتعذب بها مده لأجل الأعمال السيئة فان بقي في قلبه نور الايمان فمنع ان ينفذ ظلمه المعاصي في باطن قلبه ويحيط به السيئات فلا محاله يخرج من النار ويبرء من العذاب واما من اسود قلبه بالكلية وغاص في باطن قلبه ظلمه المعاصي لأجل الكفر فلا يخرج من النار ابدا مخلدا وان اشتهيت زيادة بصيرة في هذا المرام فاستمع لما يتلى عليك صائنا به عن الأشرار واللئام فصل (28) في كيفية خلود أهل النار في النار هذه مسألة عويصة وهي موضع خلاف بين علماء الرسوم وعلماء الكشوف وكذا موضع خلاف بين أهل الكشف هل يسرمد العذاب على أهل النار الذين هم من أهلها إلى ما لا نهاية له أو يكون لهم نعيم بدار الشقاء فينتهي العذاب فيهم إلى اجل مسمى مع