ويقول أيضا:
".. كيف نفهم الحوار كحقيقة موضوعية.. هل كان الله سبحانه في مقام استشارة للملائكة فيما يريده من خلق الخليفة أو كان في مقام إخبارهم بذلك.. لا بد من رفض الشق الأول من السؤال لأن الاستشارة تنطلق من محاولة الوصول إلى الرأي الأصوب الذي يستتبع الجهل بالواقع مما يستحيل نسبته إليه تعالى.. فإذا كانت القضية إخبار عما يريد الله فعله، فكيف نفسر اعتراض الملائكة عليه، مع أننا نعرف من خلال القرآن الكريم، أنهم (عباد مكرمون لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون) (الأنبياء 26 - 27). وهنا يعود السؤال من جديد كيف نفسر الحوار.. ونقول ربما تكون القضية واردة مورد التساؤل أمام الإخبار، وليس هناك ما يوجب اعتبار السؤال اعتراضا، فإن طبيعة الموضوع تدفع للتساؤل عن سر الحكمة فيه.. وتثير الدهشة والاستغراب.. فكيف يخلق الله مخلوقا ليكون خليفته في الأرض، في الوقت الذي تتمثل حياته في التمرد على الله بالفساد وسفك الدماء.. إن القضية تشبه اللغز بحسب طبيعتها.. وفي هذا الإطار يمكن أن تكون القضية جوابا عن سؤال أثاره الملائكة لكشف الموضوع، ويمكن أن تكون جوابا عن سؤال تفرضه طبيعة القضية، بعيدا عن أجواء الحوار الحقيقي.. وقد نستطيع أن نتبنى الفقرة الثانية، لأن الآيات بمجموعها توحي بأن في القضية نوعا من التحدي الذي يوجه نحو الملائكة، بإثارة محدودية علمهم من جهة، وبتوجيه السؤال إليهم لإظهار عجزهم وتكليف آدم بالإجابة عنه.. وقد يقرب هذه الفكرة.. أننا لا نفهم الوجه في إدارة هذا الحوار مع الملائكة.. فإن حوار الله مع مخلوقاته ينطلق غالبا من القضايا التي تتعلق بمسؤولياتهم وتكاليفهم، أما أن يكون متمثلا في الأمور التكوينية التي يريد إيجادها فهذا ما لا نعرف له وجها.. ومن الطبيعي أن هذا لا يعتبر مانعا عقليا عن حمل اللفظ على ظاهره، لا سيما وأننا لا نملك الكثير من المعرفة لعالم ما وراء الطبيعة، فنحن لا نعرف كيف يقولون، وكيف هم، وما هي العلاقة بينهم، وبين الله سبحانه، وما هو الجو الذي يمكن أن يعيش فيه هذا الحوار.. كل هذا لا نملك له سبيلا للمعرفة فان هذه القضايا مما نعرف وجودها بشكل ضبابي لأننا لا نجد وسائل الإيضاح التي تجعلنا نتمثل الفكرة بوضوح..
إننا نستقرب اعتبار الموضوع أسلوبا قرآنيا لتوضيح الفكرة ولكننا لا نجزم بذلك، لأن المعطيات التي قدمناها لا تدع مجالا للجزم.. بل ربما نلتقي ببعض الأحاديث المأثورة التي تدعم الفرضية الأولى.. فيما يأتينا من حديث.. " (1).