ثانيا: إن هذا البعض قال:
".. نجد في كثير من آيات القرآن حوارا يدور بين الله وبين ما لا يعقل، ولا ينطق من مخلوقاته، كما فيما حكاه الله سبحانه في خلق السماوات والأرض؛ إذ قال لهما: (ائتيا طوعا أو كرها قالتا: أتينا طائعين) (فصلت ١١) لتقريب فكرة خضوعهما التكويني لله.. " انتهى كلامه.
ونقول:
إننا لا نوافق على أن ما يجده في كثير من حوارات جرت بين الله وبين ما لا يعقل، ولا ينطق من مخلوقاته هو من موارد الحوارات الفرضية التي لا حقيقة لها.. بل جاءت لتقريب فكرة الخضوع التكويني له تعالى كما يزعم.. إذ إن حملها على ذلك خلاف ظاهر كثير من الموارد، فقد دلت الآيات على أن السمع والبصر والجلود تشهد، وعلى أن الجلود تنطق وعلى أن الأيدي تتكلم.
قال تعالى: ﴿اليوم نختم على أفواههم، وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون﴾ (١).
وقال تعالى: ﴿يوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون. حتى إذا ما جاءوها شهد عليهم سمعهم، وأبصارهم، وجلودهم، بما كانوا يعملون. وقالوا لجلودهم: لم شهدتم علينا، قالوا: أنطقنا الله الذي انطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة، واليه ترجعون. وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم. ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون﴾ (2).
ولا ننسى هنا حكاية النملة مع سليمان (ع)، وحكاية الهدهد معه أيضا، مع انهما مما لا يعقل ولا ينطق حسب تقدير هذا البعض.
قال تعالى: (حتى إذا أتوا على وادي قالت نملة: يا أيها النمل ادخلوا مساكنكم لا يحطمنكم سليمان وجنوده، وهم لا يشعرون. فتبسم ضاحكا من قولها وقال: رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي، وان أعمل صالحا ترضاه وأدخلني برحمتك في عبادك الصالحين وتفقد الطير فقال: مالي لا أرى الهدهد أم كان من الغائبين، لأعذبنه عذابا شديدا أو لأذبحنه أو ليأتيني بسلطان مبين،