فمكث غير بعيد، فقال: أحطت بما لم تحط به وجئتك من سبأ بنبأ يقين. إني وجدت امرأة تملكهم، وأوتيت من كل شيء، ولها عرش عظيم. وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله، وزين لهم الشيطان أعمالهم، فصدهم عن السبيل فهم لا يهتدون. ألا يسجدوا لله الذي يخرج الخبء في السماوات والأرض ويعلم ما تخفون وما تعلنون. الله لا إله إلا هو رب العرش العظيم. قال سننظر أصدقت أم كنت من الكاذبين. اذهب بكتابي هذا فألقه إليهم، ثم تول عنهم فانظر ماذا يرجعون. قالت: يا أيها الملأ إني ألقي إلي كتاب كريم) (١).
هذا بالنسبة لعالم الطير، وغيره من الكائنات الحية.
أما بالنسبة لعالم الجماد فهناك آيات كثيرة، نختار منها قوله تعالى: (ألم تر أن الله يسجد له من في السماوات ومن في الأرض، والشمس، والقمر، والنجوم، والجبال، والشجر، والدواب، وكثير من الناس. وكثير حق عليه العذاب) (٢).
وقال تعالى: (تسبح له السماوات السبع والأرض ومن فيهن، وإن من شئ إلا يسبح بحمده، ولكن لا تفقهون تسبيحهم، إنه كان حليما غفورا) (٣).
ومن الواضح أن سجود الموجودات المذكور في الآية الأولى ليس سجودا تكوينيا قهريا، وإنما هو اختياري كالناس الذين يختار بعضهم السجود، ويختار بعض آخرون العصيان، فيحق عليه العذاب ولو كان تكوينيا لم يكن ثمة مجال لامتناع كثير من الناس عنه.
كما أنه لو كان التسبيح الذي تحدثت عنه الآية الثانية تكوينيا فهو أمر معروف وظاهر يعرفه الناس كلهم، فلا يبقى معنى لقوله تعالى: (ولكن لا تفقهون تسبيحهم).
ومما يشير إلى ذلك أيضا قوله تعالى ﴿إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا﴾ (4).