2 - إن هذا البعض يقول:
" إنه يغلب على السور التي اشتملت على هذه الكلمات الطابع المدني في نزولها على النبي (ص).. " وهذا هو الذي يمنعه من التأكيد على هذا الرأي الثاني وتبنيه.
فلو أن الأمر كان على عكس ذلك بأن كان الطابع الذي يغلب على السور التي اشتملت على هذه الكلمات في نزولها هو المكي، لكان هذا الرأي هو المعقول - بنظره - لتفسير هذه الكلمات، إذ إنه لا يمانع في معقولية هذا الرأي، لأنه حينئذ يكون منسجما مع الأجواء العدائية، التي كان المشركون يثيرونها أمام النبي - على حد تعبير هذا البعض -.
وقد راجعنا تلك السور التي توجد هذه الكلمات في فواتحها، فوجدنا:
أن هذه الحروف قد وردت في تسع وعشرين سورة، ست وعشرون منها نزلت في مكة، وثلاث منها نزلت في المدينة وحتى هذه السور التي نزلت في المدينة يلاحظ أن اثنتين منها وهما سورتا البقرة، وآل عمران قد نزلتا في أوائل الهجرة، وحيث كان الوضع الديني والإيماني فيها لا يختلف كثيرا عنه في مكة، ولا سيما مع وجود اليهود وشبهاتهم، ومؤامراتهم إلى جانب المشركين فيها.
وواحدة منها، وهي سورة الرعد قد نزلت بعد أن كثر الداخلون في الإسلام رغبا أو رهبا، وكثر المنافقون حتى ليرجع ابن أبي بثلث الجيش في غزوة أحد عدا من بقي منهم في الجيش ولم يرجع معه.. وأصبح اليهود وغيرهم ممن وترهم الإسلام يهتمون بالكيد للإسلام من الداخل، بعد أن عجزوا عن مقاومته عسكريا وفكريا، وعقائديا بشكل سافر.. فجاءت سورة الرعد لتكرر التحدي بهذه المعجزة: القرآن، كأسلوب أمثل لبعث عمق عقيدي وإيماني جديد في المسلمين، ومواجهة غيرهم بالواقع الذي لا يجدون لمواجهته سبيلا إلا بالتسليم والبخوع والانقياد له.
وهذا يفسر لنا السر في أننا نجد أسلوب وأجواء سورة الرعد لا تختلف كثيرا عن أجواء وأسلوب غيرها من السور المكية، وأن هنالك توافقا فيما بينها في إدانة وضرب كل أساليب التضليل أو التزوير، والصدود عن الحق.