ثم قال:
" إذا كان القرآن يتحدث بأسلوب العنف عن بعض هؤلاء الذين ينطلقون من موقع الفكرة المضادة لفكره، فلم يكن ذلك نتيجة للروح العدوانية التي ترفض الخلاف بالقوة، بل كان لامتناعهم عن الدخول في أجواء الحوار، وابتعادهم عن استعمال الأدوات التي أتاحها الله لهم للمعرفة وللتفكير.. وهذا ما نريد إثارته: الحوار لمن يريد الحوار. والعنف العقلاني لمن يتخذ العنف وسيلة لاضطهاد الفكر وإسقاطه.. " الخ (1).
وبعدما تقدم نقول:
هل ترى هذه المعايير، والفوائد التي ذكرها للحوار منطبقة على حديث القرآن عن حوار الله تعالى مع إبليس؟
الجواب: لا، فإن الله سبحانه إنما أقام الحجة على إبليس ثم طرده ولعنه.. إذن فخطابه سبحانه لإبليس لا يدخل في هذا الإطار بلا شك.
أو هل ترى أن الحوار المزعوم بين الله سبحانه وإبليس هو من مفردات وموارد العنف العقلاني، لمن يتخذ العنف وسيلة لاضطهاد الفكر الآخر وإسقاطه؟!
والجواب أيضا بلا.. لأن إبليس قد قدم عذره - الباطل - لامتناعه عن السجود لآدم، وهو أنه مخلوق من نار، وآدم مخلوق من طين، ولكن الله سبحانه بادره باللعنة وبالطرد..
فكلا الحالتين لا تنطبقان على قضية إبليس وهكذا تتعقد المشكلة إذا أردنا أن نلتزم بما يقوله هذا البعض، ونقف عنده ولا نتعداه..
ثالثا: إن الحقيقة هي أن الله سبحانه لا يهادن الفكر المنحرف، الذي ينطلق من إرادة تبرير الانحراف، وذر الرماد في العيون عن سابق معرفة وإدراك لحقيقة الخطأ، وتمييع القضايا بصورة وقحة، فإن هذا النوع لا يصح، بل لا يجوز الحوار معه، لأن حوارا كهذا لسوف يستبطن المماشاة بل الاعتراف بهذا الفجور الإعلامي الذي يراد تسويقه على أنه فكر، ورأي واستدلال.. ولأجل ذلك كان القمع الإلهي لهذا الفجور الخبيث، ولم يكن ثمة من حوار مع إبليس، ما دام أن الحوار مع إبليس سقوط خطير، وانتصار لأطروحة إبليس، ومساعدة له على تحقيق مراميه الخطيرة والخبيثة.