ثم الظاهر أن الأدلة الدالة على حجية البينة شاملة لصورة التعارض، فالبينتان حجتان متعارضتان لا أنهما تتساقطان بالمعارضة، كما أن أدلة حجية خبر الواحد كذلك شاملة لصورة التعارض، بل الظاهر من الأخبار المذكورة أيضا عدم التساقط، كيف! وإلا لم يكن وجه للترجيح بالأعدلية أو الأكثرية، ولا للقرعة. وإذا كان الأمر كذلك فمقتضى القاعدة الرجوع إلى المرجحات المنصوصة كالأعدلية والأكثرية في جميع الصور الأربع، وإن كان ذكرهما في بعض الأخبار دون بعض، أو في بعض الصور دون بعض، بل والرجوع إلى سائر المرجحات كما هو الأقوى في الأخبار المتعارضة، وذلك لأن اعتبار البينة ليس من باب السببية والموضوعية كالأصول العملية بل من حيث الأمارية والطريقية ومن باب الظن النوعي فإذا كان أحد المتعارضين أرجح وأقرب إلى إحراز الواقع يجب تقديمه لبناء العقلاء بعد فرض الحجية حتى حال المعارضة، مضافا إلى إمكان دعوى أن ذكر الأكثرية والأعدلية إنما هو من باب المثال لمطلق المرجح، وأيضا فحوى الأخبار الواردة في علاج الأخبار المتعارضة لعدم الفرق بين البينة والخبر في كون اعتبار كل منهما من باب الطريقية، وعلى هذا فيمكن التعدي إلى سائر المرجحات كالأمتنية والأصدقية وكون الشاهدين من أهل العلم والدقة ونحوها.
فلا وجه لما في الرياض: من منع اعتبار الترجيح في البينة والفرق بينها وبين الخبر بأن اعتبار الخبر إنما هو من حيث الظن لا من حيث إنه خبر، بخلاف البينة فإن اعتبارها إنما هو من حيث كونها بينة (1) وذلك لأنه لا فرق بينهما في كون اعتبار كل منهما من حيث إفادته الظن النوعي، لكن لكونه حاصلا من البينة أو من الخبر لا كل ظن فالحجة