ذلك رجوعا عن الوصية لأن الاسم قد زال، وكذلك من أوصى بطعام فجعله سويقا كان ذلك رجوعا عنها لمثل ذلك، وإن كان أوصى بخبز فدقه وجعله فتيتا فلا يكون رجوعا لأن الاسم لم يزل عنه، وهو الصحيح، وفي الناس من قال يكون رجوعا لأنه انتقل إلى اسم أخص.
ولو أوصى له بقفيز حنطة بعينها، ثم خلطه بطعام مثله أو دونه أو أجود منه فإن الوصية تبطل لأن الموصى به لا يمكن تسليمها إليه كما أوصى له به، وإن أوصى له بقفيز طعام مشاعا ثم خلطه بغيره بمثله أو بدونه فالوصية صحيحة وإن خلطه بأجود منه بطلت الوصية لأنه لا يقدر على تسليم الموصى به إلا زائدا فإذا كان زايدا فلا تصح الوصية.
العطايا على ضربين مؤخرة ومنجزة فالمؤخرة مثل أن يوصي أن يتصدق عنه أو يحج عنه حجة التطوع، أو يباع بيع محاباة، فهذا كله صحيح، سواء كان في حال صحته أو حال مرضه، سواء أوصى به دفعة واحدة أو دفعة بعد أخرى، لأن حال الاستحقاق واحدة، وهي بعد الموت ويعتد ذلك من الثلث بلا خلاف.
والعطية المنجزة هي ما يدفعه بنفسه مثل أن يعتق أو يحابي أو يتصدق أو يهب ويقبض، ولا تخلو هذه من أحد أمرين إما أن يكون في حال صحته أو حال مرضه فإن كان في حال صحته، فإن ذلك يصح، ويعتبر ذلك من رأس المال وإن فعله في حال مرضه، فالأمراض على ضروب ثلاثة: مرض لا يتعلق به حكم، ومرض يكون معه كلام ولا يكون لكلامه معنى، ومرض معه كلام وله حكم.
أقسام المرض المخوف وغير المخوف فأما المرض الذي لا يتعلق به حكم مثل الصداع والرمد وحمى خفيفة فإن هذا كله لا يتعلق به حكم لأنه لا يخاف منه التلف، وإن أعطى فيه يكون من رأس المال وهكذا المسلول والمفلوج لأنه لا يتعجل موته، ويبقى زمانا كثيرا.
الضرب الثاني من المرض وهو إذا عاين الموت وشخص بصره واحمرت وجنتاه أو شق جوفه وبانت حشوته أو وسط أو رفع في ماء قاهر ولا يحسن السباحة فإنه لا حكم لكلامه، لأنه بحكم الأموات، بدلالة أنه لو قتل لما وجب على قاتله القود