ما أودعتني إنكار أن يكون هناك وديعة تلفت، فإذا شهدت البينة بتلفها فهي تشهد له بشئ قد أنكره وأكذبها، فلم يقبل، وقال قوم إنه ينظر فإن شهدت بالتلف بعد إنكاره وجحده لم يسمع، وإن شهدت بأنها تلفت قبل الانكار والجحود، قبلت لأن الوديعة إلى حين تلفها كان المودع على أمانته، وطريان الجحود لا يقدح في أمانته والأول أقوى، والثاني أيضا قريب.
إذا أودع وديعة فقال اجعلها في كمك، فجعلها في يده، قال قوم لا يضمن لأن اليد أحرز من الكم، وقال آخرون إنه يضمن لأنه إذا أمسكها في يده فقد يسهو وتسترخي يده منها، وليس كذلك الكم لأنه قد أمن من أن تسقط بالاسترخاء لأنه يعلم خفته، ويقوى في نفسي أنه من حيث خالف صاحبها فكان ذلك تعديا لا أنه لم يخالفه أفضل حفظه.
إذا دفع إليه شيئا فقال اتركه في جيبك، فطرحها في كمه، يضمن ولو قال اربطها في كمك فطرحها في جيبه لا يضمن لأن الجيب أحرز من الكم، وأما إذا قال اتركها في جيبك فتركها في فمه ضمن لأنه نقلها إلى ما هو دونه، لأنه ربما بلعها، وربما سقط من فمه وليس كذلك الجيب لأن الجيب لا يقع منه إلا إذا بط.
إذا قال له اتركها في جيبك فربطها في طرف ثوبه وأخرجها إلى برا فتلفت لزمه الضمان لأنه أخرجها إلى ما هو دون الحرز لأن الجيب أحرز من برا.
إذا أودع وديعة في السوق فقال اتركها في بيتك فإنه يلزم في الحال أن يحملها إلى البيت لكن لا يعدو، بل يمشي على تؤدة على حسب عادته، فإذا جاء إلى باب الدار يدق ويقف مقدار ما جرت به العادة بأنه يفتح في ذلك القدر، فإن تلفت في تلك الحال لم يضمن، وإن لم يحملها حين الأخذ وكان يتمكن من حملها فتركها زمانا ثم قام وحملها فتلفت في يده، ضمن لأنه تعدى في ذلك القدر الذي حبسها، وكان قادرا على الحمل.
ما يتلف في يد الصبي على ثلاثة أضرب: أحدها ما يدفع إليه باختياره ويسلطه على هلاكه وإتلافه، والثاني ما لم يسلط عليه ولم يختر هلاكه، والثالث إذا دفع إليه