قوله فارقتكن أو اخترت فراقكن معناه لست أختاركن واخترت الأربع البواقي وإن قال لأربع طلقتكن ثبت نكاحهن، وطلقن بعد ثبوته، لأن تحت قوله طلقت اختيارا منه لنكاحهن وإيقاع طلاق بعد ثبوته.
هذا إذا كن ثمانيا، فإذا كن اثنتي عشرة امرأة فقال لأربع منهن أمسكتكن اخترتكن ثبتكن ثبت نكاحهن وانفسخ نكاح البواقي، وإن قال لأربع اخترت فراقكن كان فسخا لنكاحهن بغير طلاق، وتبقى ثمانية قد مضى الكلام عليهن فإن طلق أربعا ثبت نكاحهن وطلقن بعد ثبوته، وانفسخ البواقي فهذا الاختيار بالقول.
فأما الاختيار بالفعل فإن وطئ واحدة منهن فهل يكون اختيارا أم لا؟ قيل فيه وجهان أحدهما يكون اختيارا كما لو باع أمته بشرط الخيار، فوطئها قبل القبض كان وطيه فسخا للبيع، ورد إلى ملكه، والثاني لا يكون اختيارا لأن الاختيار بمنزلة ابتداء عقد، والنكاح لا ينعقد إلا بالقول، فكذلك الاختيار.
والذي يقتضيه مذهبنا أن الوطي يكون اختيارا كما نقول في الرجعة، فعلى هذا إذا وطئ أربعا ثبت نكاحهن وانفسخ نكاح البواقي، وعلى القول الآخر لا يكون اختيارا، ويقال له: اختر الآن أربعا، فإن اختار من وطئها منهن ثبت نكاحها ولا مهر لها، وإن اختار غير من وطئ فإن اختار أربعا ثبت نكاحهن، وعليه لكل واحدة من اللواتي وطئها مهر مثلهن، لأنه وطي صادف غير ملكه بشبهة.
إذا أسلم وعنده ثماني نسوة أسلمن معه، كان اختيار أربع واجبا عليه، ومفارقة البواقي، فإن فعل وإلا أجبره السلطان عليه، لأن المسلم لا يجوز له أن ينكح أكثر من أربع، ولا أن يستديم أكثر من أربع، وللسلطان حبسه تعزيرا عليه في ترك الواجب فإن فعل وإلا أخرجه وعزره بالضرب فإن فعل وإلا رده إلى الحبس والضرب، حتى يختار لأنه حق لا يختار إلا من جهته.
وهكذا من وجب عليه دين حال وعرف له مال يستره ولم يكن له مال سواه فإن السلطان يجبره على قضاء الدين فإن فعل وإلا حبسه تعزيرا، فإن فعل وإلا أخرجه وعزره ولا يزال يحبسه ويعزره حتى يظهر المال ويقضي الدين، مثل الاختيار