حاجته إلى ما يتعيش به، ولم يرووا أكثر من ذلك، وفي أصحابنا من قال: إن ملك نصابا تجب فيه الزكاة وتحرم عليه الصدقة، وذلك قول أبي حنيفة " والذي فهمه المصنف وغيره من هذه العبارة مذهب المشهور، ولذا حكاه في المعتبر عنه في باب قسم الصدقات والموجود فيه في الباب المزبور هذه العبارة، وفي محكي المنتهى نقل عبارة المبسوط واختارها، واستدل عليه بأدلة المشهور، ونحوه ما عن المهذب البارع، وفي المختلف الظاهر أن مراد الشيخ بالدوام مؤونة السنة، مضافا إلى ما عرفته من أن ظاهر بعض وصريح آخر انحصار الخلاف في القولين.
قلت: ويمكن أن يتعلق قيد الدوام في كلامه بلزوم الكفاية أي من يلزمه أن ينفق عليه دائما لا من تجب نفقته في بعض الأوقات مثل الأجير المشترط إجارته وغيره فيبقى حينئذ مطلقا كالنصوص يجب تنزيله على ما عند المشهور، لعدم التحديد له في الشرع غيره، كما أنه لا حد له في العرف واللغة، ولقد أطنب الأستاذ الأكبر في شرحه على المفاتيح في فساد فهمه، وأنه يمكن أن يكون مخالفا للضرورة من المذهب، وحيث كان الأمر من الوضوح بمكانة لم نتعرض لنقل كلامه، على أن ما قدمناه سابقا في أول المسألة كاف في رده، ضرورة عدم معقولية المراد بالدوام إذا لم ينزل على ما عند المشهور.
وكيف كان ففي المدارك وبعض ما تأخر عنها " أن إطلاق المشهور مناف لما صرح به الشيخ والمحقق والعلامة وغيرهم من جواز تناول الزكاة لمن كان له مال يتعيش به، أو ضيعة يستغلها إذا كان بحيث يعجز عن استمناء الكفاية، إذ مقتضاه أن من كان كذلك كان فقيرا وإن كان بحيث لو أنفق رأس المال المملوك لكفاه - إلى أن قال -:
والمعتمد أن من كان له مال يتجر به أو ضيعة يستغلها فإن كفاه الربح أو الغلة له ولعياله لم يجز له أخذ الزكاة، وإن لم يكفه جاز له، ولا يكلف الانفاق من رأس المال ولا من ثمن الضيعة، ومن لم يكن له ذلك اعتبر فيه قصور أمواله عن مؤونة السنة له ولعياله "