ما نحن فيه من الاجتهاد في كون المدفوع إليه مؤمنا مثلا ثم بان أنه مخالف، ولا يستفاد منه حكمه لا بالفحوى ولا بغيرها، ومن ذلك كله ظهر لك قوة ما ذهب إليه المفيد وأبو الصلاح من الضمان مطلقا، ودعوى منافاته لسهولة الملة وسماحتها وكون الفقير من الموضوعات الخفية التي لا يكلف فيها بالواقع يدفعها أن المنافي لها ايجاب الدفع للمتيقن فقره في الواقع إذا قلنا بأن له الدفع، أما لمن ظاهره الفقر ولو بدعواه بل وإن لم يدع بناء على اعتبار الأصل فيه ولكن يضمن إذا ظهر الخلاف فلا منافاة فيه، كما هو واضح.
(وكذا) الكلام فيما (لو بان أن المدفوع إليه كافر أو فاسق أو ممن تجب نفقته أو هاشمي وكان الدافع من غير قبيله) لاتحاد الجميع فيما تقدم من الأدلة، لكن قد يظهر من بعض متأخري المتأخرين إطباق الأصحاب هنا على عدم الضمان مطلقا، وكأنه أخذه مما في المختلف من الاجماع على الاجزاء فيها، إلا أنه يمكن أرادته الاجماع من الخصم، لأنه ذكره في الرد على أبي الصلاح بعد ما حكى عنه الفرق بين الفقير والغني على أنه يمكن منعه عليه بالتتبع حتى عند المتأخرين، فإن ظاهر الدروس وغيره ممن جعل المدار على الاجتهاد عدم الفرق بين سائر الشرائط، وما ذكرناه من الكلام بعينه آت في المقام خصوصا بعد أن لم يذكروا له دليلا سوى قاعدة الاجزاء التي قد عرفت ما فيها سيما في المقام الذي هو كالدين وكالأمانة ونحوهما مما لا يسقط الإعادة عن المكلف بهما الأخذ بالطرق الشرعية الظاهرية.
وكيف كان فقد استثنى غير واحد من ذلك ما لو بان أن المدفوع إليه عبد للمالك فإن الإعادة فيه واجبة مطلقا، لأن المال لم يخرج عن ملك المالك بذلك، فجرى مجرى عزلها من غير تسليم، وأشكله في المدارك بأن ذلك بعينه آت في سائر الصور، فإن غير المستحق لا يملك الزكاة في نفس الأمر سواء كان عبد المالك أو غيره، والجواب عن الجميع واحد، وهو تحقق التسليم المشروع المقتضي للاجزاء، وفيه أنه يمكن الفرق