ولا يتفاوت في هذا المدعى أن استعمال النفي في النهي بأي وجه، وربما كانت دعوى الاستعمال في معنى النفي مقدمة للانتقال إلى طلب الترك أدخل في إثبات المدعى، حيث لا يتجه حينئذ ما يستشكل في المعنى الأول من أنه تجوز لا يصار إليه).
ولا يخفى أن كلامه هذا ينادي بأعلى صوته بعدم توقف إرادة النهي من هذا التركيب على استعمال النفي في النهي مجازا، فلا يرد عليه ما في الكفاية من عدم معهودية إرادة النهي من النفي من مثل هذا التركيب حتى يجاب عنه بشيوع إرادة النهي من (لا) التي لنفي الجنس، و بيان موارد كثيرة من هذا التركيب مما علم بإرادة النهي فيها، نظير قوله تعالى: (لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج) وقوله تعالى:
(فان لك في الحياة أن تقول لا مساس) أي لا تمسني، وقوله صلى الله عليه وآله: (لا أخصاء في الاسلام) و (لا هجر بين المسلمين فوق ثلاثة أيام) و (لا غش بين المسلمين) و (لا جلب ولا جنب ولا شغار في الاسلام) و (لا حمى الا ما حمى الله ورسوله) و (لا حمى في الاسلام ولا مناجشة) وغير ذلك مما ورد في الكتاب والسنة وكلمات الفصحاء.
وبالجملة: فإرادة النهي من الاخبار بعدم الوقوع كإرادة البعث من الاخبار بالوقوع في غاية الكثرة من غير توقف على ارتكاب المجاز في الكلمة باستعمال النفي في النهي حتى يقال: بعدم معهودية إرادة النهي من النفي في مثل هذا التركيب، فان القائل بهذا الوجه الثالث لا يريد النهي بنحو استعمال النفي فيه، بل وزان إرادته وزان إرادة البعث من الجملة الخبرية الدالة على وقوع شئ.
والضابط في إرادة النهي من النفي هو كون المنفي فعلا اختياريا للمكلف،