وحدها، وأخرى في غيرها، وانما الموضوع له في بابي التفاعل والمفاعلة كل من المادتين على حد العام المجموعي.
وما أفاده من كون معنى (تضارب زيد وعمرو) هو الاختلاط المعبر عنه بالفارسية ب (بهم زدن) لا يخلو من تأمل، لفرض قيام المادة بكل من الفاعلين - وهما زيد وعمرو - لصحة استعمال كلمة (من) النشوية مع كل منهما، فيقال: (صدر الضرب ونشأ من زيد وعمرو) فالنسبة متعددة حقيقة، لا أنها واحدة قائمة بطرفين لاستحالة وحدة النسبة مع تعدد من يصدر منه الضرب، ولا جامع للمعاني الجزئية التي منها الهيئات. وعليه فحيث لا محذور ثبوتي في دلالة البابين على قيام المبدأ بكل واحد من الطرفين، فلا مانع من الالتزام به، و يكفي دليلا عليه كلمات علماء الأدب.
ومنها: ما أفاده في تحقيق مختاره من أن باب المفاعلة يدل على ما يدل عليه حرف التعدية إذا كان الفعل لازما أو متعديا إلى غير شخص. وان كان الفعل الثلاثي بنفسه متعديا، فصوغ باب المفاعلة منه يدل على التصدي لانهاء المادة إلى الغير.
إذ يرد عليه: أنه لا ينطبق على جملة من الاستعمالات الفصيحة القرآنية وغيرها، مثل قوله تعالى: (مهاجرا إلى الله) و (يهاجر إلى الله) فإنه لو كان مدلول المفاعلة المطابقي هو الانهاء إلى الغير المدلول عليه بحرف الجر لزم الاستغناء عن حرف التعدية، مع أنه لا محصل للكلام بدون (إلى) والمفروض أن مادة الهجران بنفسها تفيد الابتعاد عن المهجور، ولا مناص من كون (يهاجر) هنا بمعنى الثلاثي المجرد بمعنى (هجر) مثل (توانيت بمعنى ونيت).
مضافا إلى أن التسوية بين مفاد المفاعلة وحرف الجر من كونهما للتعدية لا تخلو من شئ، لان صوغ باب المفاعلة من الفعل الثلاثي اللازم يدل على صدور الفعل من كل منهما بعد أن كان صادرا من أحدهما بدون وقوعه على المفعول به