التخيير انما تدل على اختيار أحدهما حجة، وبعد اختيار أحدهما حجة يكون المجتهد محرزا للواقع ولا يبقى مجال لاختيار الآخر بعد ذلك حجة شرعية انتهى.
ويرد عليه ان التخيير كان في المسألة الأصولية، أو الفقهية، ان كان موضوعه تعارض الخبرين بلا دخل شئ آخر فيه يتعين الالتزام بكونه استمراريا، والا لزم تخلف الحكم عن موضوعه، وهو كحد تخلف المعلول عن علته كما صرح به، وان كان موضوعه ذلك مقيدا بوصولهما، أو كون المخاطب به غير الآخذ تعين الالتزام بكونه بدويا، والا لزم ثبوت الحكم مع انعدام موضوعه، بلا فرق بين المسلكين.
اما الجهة الرابعة: فعلى المختار من عدم جريان الاستصحاب في الأحكام الشرعية الكلية الامر واضح.
واما على القول الآخر، فقد ذكر الشيخ الأعظم (ره) انه لا يجرى استصحاب التخيير من جهة تبدل الموضوع، فان الحكم انما ثبت لمن لم يختر فاثباته لمن اختار والتزم، اثبات للحكم في غير موضوعه الأول.
وأورد عليه بأنه بناءا على أن المعيار في وحدة الموضوع هو نظر العرف كما بنى هو وساير المحققين عليه لا وجه لما ذكر، لعدم تبدل الموضوع بنظرهم بتغير هذا القيد وتبدله.
ولكن بناءا على ما ذكرناه في توجيه ما افاده من عدم شمول اطلاق الأدلة لما بعد الاخذ لا مورد لهذا الايراد: فان التخيير عبارة عن كون الاختيار بيد المكلف في جعل أحد المتعارضين حجة بينه وبين ربه حيث لا حجة له لفرض تساقط الحجتين، وهذا المعنى بعد الاخذ بأحد الخبرين يرتفع قطعا، لأنه بعد الاخذ يكون ذا حجة بينه وبين ربه فيتبدل الموضوع لا محالة.
وقد يقال انه يجرى استصحاب التخيير، ولكن يعارضه استصحاب الحجية الفعلية، فإنه قبل الاخذ بأحدهما كان مخيرا في الاخذ بأيهما شاء، وكان لكل منهما حجية شأنية، فبعد الاخذ بأحدهما، صار ذلك حجة فعلية فاستصحاب التخيير يثبت الحجية الشأنية للمأخوذ، فهو يعارض الحجية الفعلية فيه.