إذا عرفت ذلك فنقول انه قد يكون الخاص قطعي السند والدلالة، وقد يكون ظني السند والدلالة، وقد يكون ظني السند قطعي الدلالة، وقد يكون بالعكس، فهذه أربعة اقسام لابد من البحث في كل قسم منها.
اما القسم الأول: فبعد الاتفاق على تقديم الخاص، اختلفوا في وجهه فقد ذهب الشيخ الأعظم (ره) إلى أن تقدم الخاص، انما يكون للورود.
والمحقق النائيني، والأستاذ، اختارا ان تقدمه يكون بالتخصص، لان موضوع أصالة العموم هو الشك في المراد وهو يرتفع وجدانا بالعلم بصدور الخاص وكونه مرادا.
أقول: ان حقيقة الورود عبارة عن خروج الشئ عن موضوع أحد الدليلين بمؤنة التعبد، أي ورود الدليل من الشارع، ولو كان قطعي الصدور والدلالة، في مقابل التخصص الذي عبارة عن خروجه عن موضوعه بالوجدان، مع قطع النظر عن الشارع، كخروج زيد الجاهل عن العلماء المأخوذ موضوعا لوجوب الاكرام، وعلى ذلك فبما ان ما يدل عليه الخاص القطعي السند والدلالة خروجه عن تحت العام، انما يكون بواسطة ما ورد من الشارع وليس تكوينيا، فما اختاره الشيخ (ره) هو الأظهر.
أما إذا كان الخاص ظني السند وقطعي الدلالة فقد أفاد الشيخ الأعظم (ره) ان تقدمه على العام على تقدير ان تكون حجية أصالة الظهور، لأجل أصالة عدم القرينة، انما يكون بالحكومة، واحتمل الورود وتأمل فيه.
واستدل للحكومة بان الرافع لموضوع أصالة العموم والظهور، هو ثبوت القرينة، فان كان الخاص ظنيا فكونه مثبتا للقرينة انما يكون بالتعبد، لا بالوجدان، فلا محالة يكون ارتفاعه تعبديا، وعلى تقدير ان يكون حجة لأجل إفادته للظن النوعي، فالخاص وارد عليه: لان بناء العقلاء على حجية الظهور وكاشفيته عن المراد انما يكون مقيدا بعدم وجود ظن معتبر وحجة على خلافه، فإذا ورد الخاص الذي هو حجة وظن معتبر يرتفع موضوع أصالة الظهور وجدانا.
وأورد عليه بايرادين، أحدهما: ما عن المحقق الخراساني والمحقق صاحب الدرر من أنه لا يعقل الحكومة في اللبيات.