وملخص القول في المقام، انه لا اشكال ولا كلام في أن الدالين بما هما دالان لا تنافى بينهما، وانما التنافي بينهما عرضي باعتبار التنافي بين المدلولين.
واما المدلولان، فالتنافي بينهما أيضا، ليس ذاتيا، فان المدلول المنشأ أي الحكم امر اعتباري، والاعتبار خفيف المؤنة، لا تنافى بين فردين منه.
بل التنافي بينهما انما يكون من ناحية مبدأهما من المصلحة والمفسدة - والإرادة والكراهة - أو منتها هما من اقتضائهما، الفعل أو الترك كما مر تحقيق ذلك في الجمع بين الحكم الواقعي والظاهري، ولكن تنافى المبدأين أو المنتهيين واسطة لثبوت التنافي بين الحكمين المدلولين بالنسبة إلى المولى الحكيم، وهو واسطة في عروض التنافي على الدالين، وعلى ذلك فدعوى ان التنافي بين المدلولين حقيقي، دون التنافي بين الدالين، في محلها.
ثم إن التعارض ان كان بمعنى التنافي، تعين تعريفه بما عن المشهور، ولكن الظاهر أنه أخص منه فإنه من باب العرض بمعنى الاظهار، ومنه عرض المتاع للبيع، فيكون التعارض بمعنى اظهار كل من المتعارضين نفسه في مقابل الآخر، ولذا لو قام خبر عدل على وجوب شئ، وخبر فاسق على عدم وجوبه، لا يكون من باب التعارض فان خبر الفاسق غير الحجة لا يظهر نفسه، في مقابل خبر العادل، وعليه: فالتعارض هو تنافى الدليلين في مقام الدلالة فالحق مع المحقق الخراساني.
2 - التعارض بين الدليلين قد يكون لعدم امكان اجتماع مدلوليهما، كما إذا دل أحدهما على وجوب شئ والآخر على عدم وجوبه، وقد يكون لأجل العلم الخارجي بعدم ثبوت مدلوليها، كما لو دل خبر على وجوب صلاة الجمعة والآخر على وجوب الظهر، فإنه لا تنافى بين المدلولين الا بواسطة العلم بعدم وجوبهما معا في يوم الجمعة وبواسطة هذا العلم يقع التعارض بين الدليلين وكل منهما بمدلوله الالتزامي ينفى الآخر، ويظهر نفسه في مقابل الآخر.
3 - قد ذكر المحقق النائيني (ره) شرطين آخرين لصدق عنوان التعارض.
أحدهما: كون كل من الدليلين حجة في نفسه فلو كان أحدهما حجة دون الآخر