الحكم وملائكه، موجب لاستحقاق العقاب، وان كان هناك مانع عن جعل الحكم، الا ترى انه لو علم العبد بان المولى عطشان، ومن شدة العطش لا يقدر على طلب الماء، وهو قادر على الاتيان به، لا ريب في استحقاقه العقاب على تركه. وبالجملة لا ينبغي التوقف في حكم العقل باستحقاق العقاب على تفويت الغرض الملزم، وعليه فلو ترك العبد المقدمة وبواسطة ذلك امتنع عليه الاتيان بذى المقدمة في ظرفه يستحق العقاب على تفويت ملاك ذي المقدمة في ظرفه: لما تقدم من أن الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا، فاستحقاق العقاب يكون على ذلك لاعلى ترك المقدمة، ولا على مخالفة التكليف فتدبر.
القول الثاني: ما اختاره المحقق النائيني (ره)، وهو وجوب المقدمة التي يفوت الواجب في ظرفه بتركها قبل تحقق وقت الخطاب، بدعوى انه يستكشف الوجوب شرعا من حكم العقل باستحقاق العقاب على تفويت الغرض الملزم تبركها حفظا للغرض فيكون متمما للجعل الأول، وأوضح ذلك بالقياس على الإرادة التكوينية، فإنه كما لاشك في أن من يعلم بابتلائه في السفر بالعطش لو ترك تحصيل الماء قبل السفر، تتعلق ارادته التكوينية بايجاد القدرة قبل بلوغه إلى وقت العطش، فكذلك في الإرادة التشريعية للملازمة بينهما كما مر سابقا.
أقول: يرد على ما افاده من استكشاف الوجوب الشرعي من حكم العقل بقبح ترك المقدمة الموجب لعدم القدرة على الواجب في ظرفه، ان الحكم العقلي الواقع في سلسلة علل الاحكام، أي ما يكون دركا للمصلحة أو المفسدة التي هو ملاك الحكم، يستكشف منه الحكم الشرعي من باب الملازمة، واما ما يكون واقعا في سلسلة معاليل الاحكام كقبح المعصية، أو ما يكون نظيره، والجامع ما لا يكون دركا لمصلحة أو المفسدة، فلا يستكشف منه الحكم الشرعي، والمقام من قبيل الثاني لكونه دركا لصحة العقاب على ترك ما فيه الغرض الملزم في ظرفه، لا دركا للمصلحة وهو بنفسه يصلح لمحركية العبد، فلا يصلح ان يكون كاشفا عن جعل شرعي مولوي متمم للجعل الأول.
فتحصل ان الأقوى هو القول الثالث، وهو استحقاق العقاب بترك المقدمة