وبغير الوضع، وكلاهما كما ترى. فيستكشف من ذلك عدم تمامية ذلك.
وفيه: ان العقلاء لهم بناءات عديدة كلية فيما يتوقف رفع احتياجاتهم عليه، كبنائهم على حجية الظواهر، واعتبارهم ملكية زيد لشئ خاص بعد شرائه له، وغير ذلك من الموارد، والمراد من النباء في هذه الموارد، ليس انهم يشكلون مجلسا لذلك، بل هو امر ارتكازي للجميع لا يتخطون عنده. ومن هذه الموارد الوضع. فان بناء العقلاء - لاحتياجهم إلى ابراز مقاصدهم بالألفاظ - يكون على متابعة وضع من له الوضع في هذا التعهد، وهم أيضا يتعهدون لذلك تبعا له، فكل فرد من الافراد يكون متعهدا، ولكن يستند الوضع إلى الجاعل الأول، لسبقه، وصيرورة وضعه، داعيا لوضع غيره. ويترتب على ما ذكرناه أمران:
أحدهما: ان كل مستعمل واضع حقيقة.
ثانيهما: ان العلقة الوضعية، مختصة بصورة خاصة، وهي ما إذا قصد المستعمل تفيهم المعنى باللفظ، وما يرى من انتقال الذهن، من سماع اللفظ إلى المعنى وان صدر من شخص بلا قصد التفهيم، أو عنه بلا شعور واختيار، بل وان صدر من اصطكاك حجر بحجر، فهو لا ينافي ما ذكرناه، ولا يكون مستندا إلى العلقة الوضعية، بل هو من جهة الانس الحاصل بكثرة الاستعمال أو بغيرها.
ثم إن العلقة تتحقق بالتصريح بانشائه، فيقول الوضع قد وضعت اللفظ الفلاني للمعنى الفلاني، وباستعمال اللفظ في غير ما وضع له، كما إذا وضع له، بان يقصد الحكاية عنه، والدلالة عليه بنفسه، لا بالقرينة، ويسمى ذلك بقسميه بالوضع التعييني، كذلك ربما تتحقق بكثرة استعمال اللفظ في المعنى من شخص واحد أو من أشخاص متعددة، إلى أن يحصل به الاختصاص والارتباط الخاص، ويسمى بالوضع التعيني.
وقد أورد على القسم الثاني من الوضع، التعييني: بان الوضع يستدعى لحاظ اللفظ مستقلا، والاستعمال يستدعى لحاظه فانيا في المعنى. فالوضع بالاستعمال يلازم لحاظ اللفظ بوجهين وبلحاظين في واحد شخصي محال.