مسلمة عند الكل، بل في الأصول، في مسألة البراءة، انما يبحث عن انه يجب التوقف الاحتياط في الشبهة التحريمية لاخبار الاحتياط والتوقف، أم لا دليل على وجوبه؟
واختار الأول الأخباريون، وذهب الأصوليون إلى الثاني، وحيث انه على تقدير ثبوت دلالة الاخبار على وجوب الاحتياط تقع النتيجة في طريق الاستنباط، لأنه إذا انضم إليها، ان شرب التتن محتمل الحرمة، يستنج حكم فرعى كلي، وهو عدم جواز شرب التتن، فتكون المسألة أصولية، وان كان على تقدير العدم والدخول في قاعدة: " قبح العقاب بلا بيان " لا يستنبط حكم أصلا، كما عرفت في المقدمة الثالثة، كما أنه في مبحث الاشتغال، انما يبحث عن شمول أدلة البراءة، كحديث الرفع وغيره، لأطراف العلم الاجمالي والشبهات قبل الفحص، أم لا، وعلى تقدير العدم يرجع إلى قاعدة وجوب دفع الضرر المحتمل فيما يمكن الموافقة والمخالفة، واستحالة الترجيح بلا مرجح فيما لا يمكن، وحيث انه على تقدير الشمول، يستنبط من ضم الصغرى إلى نتيجة المسألة حكم فرعى كلي، فتكون المسألة أصولية.
وقد يقال: انه على ما ذكرت تكون، قاعدة الطهارة لا ضرر، وقاعدة ما يضمن بصحيحه بفساده من المسائل الأصولية: فان يستنتج من الجميع احكام فرعية كلية، مثلا يستنتج من الأولى طهارة الحديد، ومن الثانية عدم لزوم البيع الغبني، ومن الثالثة ان البيع الفاسد يضمن به.
أقول: اما قاعدة الطهارة، فهي وان انطبقت عليها تعريف مسائل الأصول الا ان وجه عدم عدها من المسائل، أمران:
الأول: اتفاق الكل عليها، ولم يخالف فيها أحد كي تعنون وينازع فيها، والذي يدلنا على أن هذا هو وجه عدم التعرض لها، الغائهم لجملة من المباحث الأصولية وعدم تعرضهم لها كمسألة حجية القياس، ولذا تكون مذكورة في عداد المسائل في كتب القدماء.
الثاني: ان المسائل الأصولية بالتتبع والاستقراء، هي ما يفيد في جميع أبواب الفقه أو أكثرها، وليست قاعدة الطهارة كذلك.