وقد أورد عليه الأستاذ الأعظم تارة: بان هذا المعنى أجنبي عن أذهان الواضعين لا سيما الأطفال وأمثالهم الذين يصدر منهم الوضع كثيرا فكيف يمكن صدور الوضع مع كونه أمرا مغفولا عنه، وأخرى: بأنه في الوضع الحقيقي، المكان المخصوص موضوع عليه، وكونه رأس الفرسخ، موضوعا له ومدلولا، وفي المقام الموضوع له والموضوع عليه شئ واحد، وهو المعنى.
وفيها نظر، اما الأول، فلانه ان أراد بذلك ان الواضعين لا يتصورون الفرد الحقيقي، ويكون حقيقة مغفولا عنها، فيرد عليه انه لا يعتبر في الاعتباريات تصور الفرد الحقيقي والالتفات إليه حين اعتبار، الا ترى ان أهل القرى والصبيان في معاوضاتهم يعتبرون الملكية مع أنه لا ينتقل أذهانهم إلى فردها الحقيقي الذي هو من الاعراض الخارجية والمقولات الواقعية؟ وان أراد انهم لا يتصورون الاعتبار نفسه، فيرد عليه: انه ما الفرق بين هذا الاعتبار وساير الاعتبارات كالملكية حيث إنهم يعرفونها ولا يعرفون هذا.
واما الثاني: فلانه لا يعتبر في الوضع الحقيقي كون المدلول والموضوع له غير الموضوع عليه، بل قد يتحدان، وأخرى يتعددان. اما الأول، فكما في المثال، حيث إن رأس الفرسخ الذي هو الموضوع له عنوان منطبق على نفس ذلك المكان، واما الثاني، فكوضع العلم على باب البيت للدلالة على انعقاد مجلس خاص في البيت. وعليه فالمعنى موضوع له وموضوع عليه في المقام، واستغراب اطلاق الموضوع عليه على المعنى، لعدم شيوع هذا الاستعمال، لا لعدم كونه كذلك، فالصحيح في الايراد ما ذكرناه.
الثاني، اعتبار كون اللفظ وجودا تنزيليا للمعنى. فيكون وجود اللفظ وجودا للمعنى في عالم التنزيل. وفيه: ان نتيجة الوضع، الانتقال من اللفظ إلى المعنى وكان المعنى هو الملقى إلى المخاطب ويحكم عليه بما يشاء، لا ترتيب آثار المعنى على اللفظ كي يصح هذا التنزيل وان شئت قلت إن التنزيل الا دعائي انما يكون بلحاظ ترتيب آثار المنزل عليه على المنزل ومن الواضح انه في باب الوضع ليس كذلك، إذ الواضع لا يريد بالوضع ترتيب آثار المعنى على اللفظ.
فالتحقيق ان حقيقة الوضع، ليست الا ما اختاره جملة من أساطين المحققين، منهم